المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأخبار بين المصادر والمصداقية


الحارث
10 / 12 / 2001, 59 : 02 AM
الأخبار بين المصادر والمصداقية

خاص الإسلام اليوم- تركي التركي 03/12/2001 6:5 م




مدخل:
ينمو الخبر جيدا حيث تتواجد الأحداث، وحينما تقل الأحداث أو تنعدم.. تنعدم معها الأخبار أوتقل، والساحة الإخبارية أثرت بعد فترة ركود متقطعة كانت تقتات فيها من أحدث الانتفاضة في فلسطين، أو عمليات المجاهدين في الشيشان، أثرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا، حيث شغل العالم من تلك اللحظة بكل ماله علاقة بتلك الانفجارات التي هزت أمريكا وجعلت شعار أمريكا الإعلامي في تلك اللحظات "أمريكا تحت الهجوم" ، ومع تلك الأحداث بدأت العديد من مصادر الأخبار في التسابق تخمينا وتصريحا واستنطاقا للبحث عمن يقف خلف تلك الأعمال، وأثرت بعد ذلك وسائل الإعلام من تهديدات الحرب الموجهة لإمارة أفغانستان الإسلامية بحجة إيوائها لمن تتهمه أمريكا بالوقوف خلف تلك الأعمال، ثم وجدت ضالتها بعنف مع عنف الضربات الأمريكية على الأبرياء والمدنيين في أفغانستان في الحملة التي بدأتها واشنطن مع حليفتها بريطانيا ضد الشعب الأفغاني المسلم، بحجة واهية وهي القبض على أفراد تنظيم القاعدة!! وطبيعي أن الحدث الإعلامي وقوة متابعته اختلفت في بداية الحرب عنها في الأيام الحالية، لكن بقيت أحداث أفغانستان هي المسيطرة على الرأي العام العالمي، كيف لايكون ذلك والقوة العظمى في العالم طرف فيها؟ ويتخلل تلك التغطيات المكثفة تغطية عابرة عما تشهده الساحة السياسية هنا وهناك خاصة في فلسطين الحبيبة.

الإعلام المؤثر:
ليس مستغربا أن تهتم الخارجية الأمريكية على لسان وزيرها كولن باول بتحسين صورتها الإعلامية أما الجموع العربية والإسلامية، بعدما شعرت بتقصيرها - النسبي- في هذا الجانب، فالإعلام آداة فاعلة لتكوين توجهات الري العام العالمي، وبإمكان تغطية إخبارية أو إعلامية ناجحة أن تجعل الحسن قبيحا والقبيح حسنا، ولا أدل على ذلك من الصورة القاتمة التي رسمها الإعلام الغربي عن الإمارة الإسلامية في أفغانستان وتمثلها حركة طالبان، فما نقلته وسائل الإعلام هناك جعل الغالبية تنظر للحركة أنه تعيش في العصور الوسطى، ولكن من زار أفغانستان شاهد الاهتمام الكبير الذي توليه الحركة لكثير من مجالات الحياة، وليس كما أشيع عن انغلاقها وتقوقعها الفكري، كذلك من الصور الانطباع المسيطر الذي رسمه الإعلام الغربي بعامة والأمريكي بخاصة عن تنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن، واتهامهم بالوقوف خلف أحداث الثلاثاء الدامي، فالعالم كله ردد خلف الإعلام الذي تحركه قوى صهيونية داخل الولايات المتحدة، وتبعا لذلك مورست ضد المسلمين في عدد كبير من أنحاء العالم تفرقات عنصرية لالشيء إلا لأن ذات الإعلام (القوي) جعل المسلين هم من يقف خلف هذه الأحداث.. وبالتالي ضرورة الوقوف ضده!!

مصادر الإعلام:
تختلف مصادر الإعلام باختلاف الحدث ومكانه، فهناك أحداث يكون مدارها داخل نطاق الأمة العربية أو الإسلامية، وهذه يكون التعامل مع أحداثها بحذر خاصة إن كانت نتاج مؤسسات رسمية! ولكن إن كان الحدث كإنفجارات أمريكا مثلا.. فالأمر وقع في أكبر دولة في العالم، وشأنها سلبا أو إيجابا يهم غالبية دول العالم، ولذا كان العالم بكامله يبحث عما تبحث عنه أمريكا، فتوالت التقارير من ألمانيا وفرنسا وأستراليا وغيرها حتى من البلدان العربية كان البحث الإعلامي والتقصي الإخباري عاملا بقوة، وقد ترواحت مصادر الأخبار بين ثلاث فئات:
- الإعلام الرسمي: ويمثله عقد المؤتمرات الصحافية التي يعقدها رؤساء الدول ووزراء الخارجية والتصريحات المباشرة، أو ماتبثه وكالات الأنباء الرسمية.
- الإعلام التجاري: ويمثله وكالات أنباء عالمية منتشرة هنا وهناك، ومحطات إذاعية وتلفزيونية، وقائمة طويلة من الإعلام المقروء، وهذا الإعلام وإن كان حرا في اطروحاته إلا أن غالبية أخباره تقوم على التخمينات، والتوقعات، وقليل منها مايكون موافقا لتوجهات رسمية، كما أن عنصر المصداقية مفقود بشكل واضح في هذا القسم، بمعنى أن الميول والأهواء والمعتقدات الدينية قد تجعل الأطروحات تختلف من وسيلة لأخرى!.
- الإعلام المفتوح: وفي هذا المجال يمكن أن نجعل مايتعاطاه ويبثه الجمهور من حوارات وأخبار في فضاء الشبكة العنكبوتية (الانترنت) مصدرا مؤثرا من مصادر الأخبار، خاصة في الحدثين الأخيرين، فقد لعبت الانترنت بشكل جيد دورا في الإبانة عن الرأي الشعبي والجماهيري، ولكن يؤخذ على هذا القسم استسلامه للعاطفة التي تحكم توجهاته، ويخلط كثيرا بين الخبر الصادق والتخمين إذا كان في صالحه، ولأن المتعاملين فيه ومعه أشخاص ليست لهم صفات اعتبارية، فإن مصداقية الخبر فيه تمثل أقل الأقسام الثلاث.

هذه المصادر الثلاث تمثل في اعتقادي أحد مصادر الأخبار للجماهير، لكنها أيضا تدور في حلقات متكررة، فيأخذ بعضها من بعض، بمعنى أنه في صناعة الخبر لاغنى للصحيفة السيارة عن وكالة الأنباء، ولاغنى لوكالة الأنباء عن الصحيفة وهكذا الحال مع وسائل الإعلام الأخرى.
وهذا التبادل الإعلامي وتمرير الأخبار بين مصادر عدة، جعلها تتكرر كثيرا بشكل ملفت، فليس غريبا أن تفتح صحفا يومية أو أسبوعية وتجد أن خبرا معينا قد تكرر في أكثر من مطبوعة منها، بذات الأسلوب وذات الصياغة، ويتبع ذلك أيضا عدد من المواقع الإخبارية على النت، فهي تتناقل الخبر من مصادر شبه واحدة ولذا تجدها مكررة، وقد يظن بعض الزوار لموقع إخباري بارز أنه حينما يجد خبرا نشره ذلك الموقع وكرر في مواقع أخرى اقل مكانة، أنه نقل المواقع الأقل قد أخذته بحرفيته منه، بينما الواقع أن كلاهما يستقيان أخبارهما من معين واحد.


المصداقية الإخبارية:
قال أحد رؤساء التحرير في صحيفة عربية بارزة تصدر في أوربا ذات يوم حينما لامه أحد القراء لنشره (خبرا غير صحيح) أني لو اكتفيت بالأخبار الصحيحة.. لما أصدرت صحيفتي ! ، وهو يشير بذلك إلى أن الإعلام قائم في غالبه على التخمين والتوقع بشكل كبير، بجانب أنه في أحيان كثيرة ليس (صانعا) للخبر بقدر ماهو (ناقل) له، وبالتأكيد أن مجرد التفكير في (صناعة) الخبر والتأكد من مصداقيته تحتاج للكثير الكثير من الجهد والمال!.
وعالم الأخبار لايخلو من استغلاله لأغراض أخرى تدخل في نطاق الحملات الإعلامية، أو بغية التأثير على وضع معين، أو إيهام لعدو بفكرة بينما تنفذ غيرها، ولذا فالجزم أو الفرض بأن ماينشر لابد أن يكون صحيحا فرضية غير صائبة، وواقع الحرب الحالية في أفغانستان مثال حي على ذلك، فكثير من التقارير والأخبار تصور واقعا معينا، ولكن يفاجأ المتابع بحدوث عكسه، ولا ينكر في ذلك أن أمريكا مارست ولأول مرة منذ عقود سياسة التظليل الإعلامي على شعبها وعلى العالم بأجمعه، بل أنها وقفت في موقف العدو لمصادر إخبارية نقلت الأخبار كما هي، لأنها خالفت السياسة المطلوب التعامل معها في هذه الفترة، فتم التكتم عن حجم الخسائر الأمريكية بشريا وماليا وعسكريا، وتم التغاضي والتغافل عن مجازر بشرية وقعت بحق أناس أبرياء، وغيرها كثير.
وعلى الجانب المقابل أيضا لم يكن هناك مصداقية في الخبر المنشور، ففي بداية الحرب كانت وسائل الإعلام المتعاطفة مع طالبان تشير بنصر قريب، حتى حلت الهزيمة في مزار الشريف، ثم الانسحاب من كابل والذي وصف بأنه تكتيكي، وكذلك ماحدث في قندز وحاليا في قندهار، وكلها تتعامل مع الوضع بشكل تفاؤولي ينفيه الواقع على الأرض.

من هنا كان المتابع للحرب يشعر بصعوبة بالغة في التأكد من صحة الخبر، على جميع مستوياته، وأصبحت الأخبار في تضاربها تمثل تأكيدا كبيرا على عدم مصداقية هذا المجال الكبير، وخلطه كثيرا بين التوقع والتخمين وبين الأخبار الصحيحة، أو بين الأماني والواقع الحي، وماهذا إلا للرغبة في الإثارة الإعلامية من جهة، ولملء وتسويد صفحات الأخبار حتى لو لم تكن صحيحة من جهة أخرى.


إذن... كيف نبحث عن الأخبار الصحيحة؟
سؤال عريض، والإجابة عليه تبدو ذات شجون وشؤون شتى، وليس بالأمر الهين أن نحويه على عجالة هنا، ولكن هناك بعض الاشياء التي تمثل عاملا مهما لتمييز صحة الخبر من عدمه، وليس القطع في أحيان.. ولكن الترجيح!
- قرب المصدر الإخباري من الحدث، فكلما كان المصدر قريبا بمكانه أو بمراسليه كان الأقرب إلى المصداقية من غيره.
- إسناده الخبر لمصادر وثيقة لاتقبل الشك والتأويل.
- كون الخبر من مصدر منافس أو معارض.
- وروده عن طريق أكثر من مصدر (مصدر أساسي.. لافرعي، حيث يمكن لخبر أن تنشره وكالة أنباء أن ينشر في عشرات الصحف)
- توثيقه بصور أو وثائق لاتقبل الجدل وترقى لمرتبة الثقة.
- التفريق بين الخبر الذي يكون حدث تم وانتهى، أو خبر سيتم ويكون حينئذ في حكم الغيب هل يتم أم لا ؟
وبالتأكيد أن ثمة أمور أكثر يمكن من خلالها للمتابع الفطن أن يميز الخبر الصحيح من غيره، ولعلنا نتناول القضية بشكل أوسع في زاوية (فضاء الرأي) حال طرح الموضوع للتعقيب هناك

Mahsoon
10 / 12 / 2001, 10 : 07 AM
شكراً قثم على هذه المقاله التوضيحية