المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواكبة التغير السريع


.
29 / 04 / 2001, 45 : 09 PM
لم يعد ثمة شك بأن القدرة على مواكبة التغير السريع في المجالات التقنية المعاصرة، يعتمد بشكل رئيس على الوعي بحجم التحديات والصعوبات التي تواجهنا في كافة المجالات، ذلك أن المستجدات المتلاحقة في المجال التقني وفي التقنية المعلوماتية أصبحت من السرعة والتغير بحيث تحتاج إلى الكثير من الجهد والمتابعة والمثابرة لضمان مواكبتها والتفاعل مع قوانينها والسعي إلى الإفادة منها.
ويعتبر الحقل الهندسي من أكثر المجالات عرضة للتقادم وأشدها حاجة للمراجعة والتجديد وذلك بحكم ارتباطه المباشر بالمجال التقني بل لعله يصنف ضمن العوامل المؤثرة في هذه التغيرات السريعة.
وتبدو الحاجة إلى مراجعة برامج التعليم الهندسي في السعودية في هذاالوقت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، فجملة المتغيرات المستقبلية المتوقعة التي ستشهدها السعودية مع مطلع الألفية الثالثة تفرض على المهتمين والباحثين السعي إلى تسليط الضوء على أبرز القضايا المرتبطة بواقع ومستقبل التعليم الهندسي ويتطلب استشراف مستقبل التعليم الهندسي في القرن الواحد والعشرين الحديث عن عدد من المواضيع التي تشمل:
1- الفرص والتحديات أمام مهنة الهندسة.
2- المتطلبات الجديدة في برامج الهندسة.
3- التقييم الهندسي.
4- التسجيل المهني.
أولاً: الفرص والتحديات أمام مهنة الهندسة:
إن التطور التقني السريع في هذا القرن وبالذات في العشرين سنة الماضية بلغ من الضخامة والسرعة بحيث أصبح من الصعب جداً تتبع الجديد فيه، فما أن يتابع شخص ما معلومة أو منتجاً جديداً ويستطيع استغلاله والإفادة منه إلا وخرج منتج آخر أكثر كفاءة وأسهل استعمالاً بل وفوق هذا كله أقل تكلفة. ولعلنا نلخص التحديات الرئيسة التي تواجه تعليم ومهنة الهندسة في الوقت الحاضر بالآتي:
1- التطور الهائل في تقنية المعلومات والاتصالات وانتقال المعلومات عبر الحدود، والانفجاد المعلوماتي الهائل والذي بقدرما ييسر للمهندس بعض أعماله زاد في الضغط عليه للإلمام بمهارات كثيرة ومتجددة.
2- العولمة وما تعني من ازدياد ضراوة المنافسة العالمية وانتقال البضائع عبر العالم بلا قيود حيث لا توجد حماية على المنتجات العالمية وذلك تحت تأثير قواعد منظمة التجارة العالمية WTO وما يعني ذلك من ازدياد فرصة المبدعين من المهندسين بحيث أصبح الطلب على مهاراتهم عالمياً إلا أنه في الوقت نفسه قد يجعل المنافسة في الحصول على وظائف وفي تطوير المنتجات أيضاً عالمية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
3- التطور المفاجئ والمذهل في علوم الهندسة الحيوية والوراثية Genetic & Bioengineering والذي يفتح الباب واسعاً للمهندسين للإسهام في رقي البشرية وتطورها في زيادة كفاءة الإنتاج الحيواني والزراعي والمساهمة في العلوم الصحية عامة، إلا أنه يزيد من الضغوط عليهم في اكتساب مهارات جديدة في علوم الحياة ووظائف الأنسجة وغيرها وهي مجالات جديدة على فروع الهندسة التقليدية، كما أنه يطرح قضايا أخلاقية من الصعب الوصول إلى حل واضح حيالها.
4- سرعة الإيقاع وتغير ظروف العمل: وهذا قد يكون نتيجة للعوامل السابقة مجتمعة وهو بقدرما يعطي الفرصة للمؤهلين والجادين من المهندسين يفرض على المهندس أن يكون ذا قاعدة صلبة وعريضة في العلوم الأساسية Basic Sciences والعلوم الهندسية Engineering Sciencesحتى يستطيع التعامل مع المتغيرات الجديدة في بيئة العمل وسرعتها، بل ربما يكون عليه أن يغير طبيعة عمله أكثر مما اعتاد المهندسون أن يعملوا في السابق.
ثانياً: المتطلبات الجديدة لمهنة الهندسة:
ويمكننا أن نقول إن هذه التحديات والفرص يمكن تعميمها على جميع العلوم والمهن إلا أن التعليم الهندسي يواجه التحدي الأكبر نظراً لأن المهندسين هم في الحقيقة من أكثر المهنيين تعاملاً وتأثراً بالتقنيات الجديدة، وهذا بطبيعة الحال يضع الجامعات والمؤسسات العلمية والمهنية أمام مسؤولية كبيرة للارتقاء بقدرات المهندسين، والفرص والتحديات الجديدة تفرض الحاجة إلى إعداد كوادر ذات قاعدة علمية صلبة وعريضة، وفي الوقت نفسه قادرة على الابتكار مستعدة لتقبل التغيير بل والمساهمة الفاعلة فيه وعلى دراية بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بها، ومن هنا يمكننا تعريف المهندس من الجيل الجديد بالآتي:
«المهندس ذو القاعدة العلمية الصلبة، متعدد المهارات، الذي يقبل ويساهم في التغيير والقادر على العمل بروح الفريق، والذي يقبل كذلك إعادة التدريب والتأهيل لعدة مرات خلال حياته العملية».
وهذا يقودنا إلى النقاط الرئيسة التالية في تصميم البرامج الهندسية.
1- التصميم والتحليل: (Design VS. Analysis)
ركزت معظم البرامج الهندسية في السابق على مهارات ومعارف التصميم Design بل إن كلمة مهندس تعني مصمم في القاموس، ولكن نظراً لأن الحاسب الآلي من الممكن استعماله بشكل جيد لعمل التصاميم بل إن كثيراً من المسائل الكبيرة تكون معقدة مما يجعل الحاسب يساعد المهندس بشكل أكبر في عمل التصاميم، ونظراً للمتطلبات الجديدة للمهندس ليكون مساهماً في حل المشكلات وليس فقط مصمماً فقد يكون من الضروري زيادة جرعة التحليل Analysis في البرامج الهندسية، ولذلك نرى دخول نظريات الاحتمالات والإحصاء والتحليل العددي وبعض المهارات الرياضية والحاسب في برامج الهندسة.
2- مهارات الاتصال Communication Skills
كان الاعتقاد في السابق أن مهارات الاتصال تولد مع الشخص وإن كان وجود بعض المهارات في الشخص يساهم في سرعة تدريبه، إلا أن مهارات الاتصال سواء المكتوبة أو الشفهية أصبحت علماً قائماً بذاته، وينقص المهندسين حالياً التدريب في هذا المجال وجميع من عمل في مهنة الهندسة يعرف أن هذه المهارات قد تكون مساوية للمهارات الفنية إن لم تزد عليها في بعض الظروف، ولذا بات من الضروري إدخال مهارات الاتصال سواء المكتوبة أو الشفهية في مناهج الهندسة والتدريب العملي عليها.
3- العمل بروح الفريق Team Work والشخصية المتكاملة
كان المهندس في السابق يقوم بعمل التصاميم إما بمفرده وإما بمساعدة زملائه ومساعديه في نفس المهنة، ولكن الآن أصبح المهندس يعمل جنباً إلى جنب مع العلماء والإداريين والاقتصاديين بل والأطباء ويساهم في إيجاد الحلول لبعض المشكلات عن طريق التحليل وليس فقط التصميم، ولذا بات من الضروري غرس مهارات العمل بروح الفريق وبناء الشخصية المتكاملة بل والتدريب عليها في برامج الهندسة، وبالإمكان عمل ذلك عن طريق المشاريع المشتركة بين الطلاب وبالذات مشاريع التخرج، وكذلك تنشيط الأندية العلمية وما تساهم فيه من بناء التشخصية المتكاملة للطالب عن طريق النشاطات اللامنهجية والتي تجعله متقبلاً للعمل مع الآخرين ومتقبلاً أن يرأس ويُرأس ويؤثر في ويتأثر مع الآخرين بفعالية.
4- القاعدة الصلبة في العلوم الأساسية والعلوم الهندسية
Basic & Engineering Sciences
وأعرف أن هناك محاولات عند أساتذة الهندسة للتقليل من هذه المقررات وأعتقد جازماً أن التأهيل الكامل في هذه العلوم سيبني المقدرة عند المهندس لاستيعاب تخصصه أولاً ثم التفاعل مع العلوم الأخرى، إضافة إلى تأهيله لاستيعاب المتغيرات والتي قد تكون سريعة جداً في مجال عمله.
5- العلوم الأخري:
بات من الضرورة على المهندس أن يكون ملماً ببعض العلوم الأخرى والذي يتأثر ويؤثر بالمشتغلين بها وأقصد نظم المعلومات والإدارة، والاقتصاد وبعض العلوم الاجتماعية والإنسانية بحسب التخصص وهذه تساعد المهندس على سعة الأفق وعلى المقدرة على استيعاب المشكلات بإطارها الصحيح وإيجاد الحلول المتزنة والواقعية لها والتي لا تشمل الحل الفني البحت بل الحل الفني المقبول اقتصادياً واجتماعياً.
6- الأخلاقيات المهنية Professional Ethics
أعتقد أنه في ظل الظروف القائمة والمتغيرة وزيادة مسؤولية المهندس فإنه من الضروري إعطاؤه جرعة في أخلاقيات المهنة، وبالنسبة لنا ولله الحمد فالأصل موجود في الإسلام، ولكن يحتاج المهندس إلى إعادة صياغة بعض القضايا المهنية والتي قد تكون غائبة عن ذهنه في إطارها الديني.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوقت: كيف يمكن أن نعطي المهندس جميع هذه المهارات والقدرات مع الحفاظ على مدة الدراسة ثابتة؟ في اعتقادي أنه يمكن عمل ذلك عن طريق:
1- الموازنة بين التوسع والتعمق في البرامج Depth Versus breadth فيكفي أن يتجاوز المهندس الفجوة بينه وبين العلوم المختلفة في تخصصه Bridges the Gap وفي استطاعته دراسة ما يحتاجه لاحقاً بعد تخرجه وحسب طبيعة عمله خاصة مع الفرص الهائلة للتدريب وإعادة التأهيل المتوفر في الجامعات والشركات وعبر شبكات الإنترنت.
2- المرونة في تصميم البرامج وصياغتها لتستجيب لرغبات الطلاب المختلفة: وهذا التوجه قائم في بعض البلاد المتقدمة بحيث يلزم الطالب بعد إنهاء العلوم الأساسية والعلوم الهندسية بأن يختار عدداً معيناً من المقررات من مجموعة كبيرة في التخصص، وهذا يعطي فرصة لتعدد مهارات الخريجين من برنامج واحد وأكثر من نظام البرنامج الجامد الذي يسمح ببعض المواد الاختيارية.
3- من الأهمية بمكان أن يتم التركيز على المهارات وطرق التحليل وليس المعلومات التي أصبحت الآن في متناول الجميع، ولذا من الممكن تقليص بعض محتويات المقررات التي تغطي الجانب المعلوماتي فقط.
4- من الممكن زيادة الجرعة التحليلة على حساب الجرعة التصميمية والتي وإن كان ضرورياً بقاؤها في البرامج الهندسية إلا أن الحاجة لها اليوم ليست كالأمس.
ثالثاً: التقييم الهندسي
أعتقد أنه من الضروري بمكان الحرص على مراجعة وتقييم البرامج الهندسية بشكل دوري وأسرع من ذي قبل نظراً لزيادة المنافسة العالمية والتطور السريع في العلوم والتقنية، وأعتقد باختصار أنه يمكن تلخيص بعض النقاط في التقييم الهندسي.
1- يجب أن تنبع القناعة من الجامعة بضرورة التقييم وألا يكون مفروضاً عليها.
2- يجب أن يكون الموقف إيجابياً من التقييم بحيث يكون أولاً بهدف التطوير وثانياً بتقبل نقاط الضعف بصدر رحب والعمل على تفاديها.
3- هناك ضرورة لأخذ مرئيات الخريجين وأرباب العمل في القطاعين الخاص والعام عن مستوى البرامج الهندسية والتقنية وخريجيها وذلك بشكل موضوعي وبعيد عن العواطف والاستفادة من مرئياتهم في تحسين البرامج الهندسية والتقنية.
4- ضرورة أن يكون التقييم مؤسسياً Structured Evaluation وليس من أفراد قد يكونون متميزين بأشخاصهم، ولكن تنقصهم الخبرة المؤسسية.
5- تطوير معايير أداء موضوعية ومن الممكن قياسها حتى تساهم في قياس التحسن الناتج من التطوير، كما يجب أن يُسترشد بالمعايير العالمية مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحلية عند تطوير هذه المعايير.
6- هناك حاجة ماسة إلى إنشاء هيئة لأغراض «التقييم والاعتماد الأكاديمي» بحيث تشرف على البرامج عامة سواء في الجامعات الحكومية أو الأهلية ويكون فيها لجان متخصصة للتعليم الهندسي والتقني، وهناك دراسة في وزارة التعليم العالي عن هذا الموضوع.
رابعاً التسجيل المهني
Professional Registration
أعتقد أن كثيراًمن القضايا السابقة من الممكن التعجيل في حلها بطريق صحيح لو كان هناك تسجيل مهني وإلزامي للمهندسين في المملكة حيث سيساهم ذلك في:
1- حماية المجتمع من الممارسات المهنية الخاطئة سواء فنياً أو أخلاقياً.
2- الضغط المستمر على الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى للتطوير والتحسين.
3- زيادة الضغط على المهندسين لتطوير مهاراتهم وإعادة تأهيل أنفسهم في كل ما هو جديد.