عرض مشاركة واحدة
قديم 15 / 08 / 2009, 15 : 05 PM   #65
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,677
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

/

مذكرات مغتربة في الأفلاج (30)

الآن فهمت


في أحد الأيام وبعد مرور تسعة أيام تقريبا على مغادرة ليلى كنت في المدرسة كالعادة وقد انتهيت للتو من حصتي الرابعة .دخلت غرفة المعلمات فشد انتباهي ارتباكهن وكأنهن كن يغتبنني ودخلت عليهن فجأة فقطعت حديثهن، كان وضعهن مريبا، إلا أنني سلمت وجلست وهن بين من تنظر إلي بطرف عينها وبين من تهرب بنظراتها مني، سألتهن مابكن قلن لاشيء؟
دخلت علينا المساعدة قالت لي ببرود وهي تتأمل كل ملامحي بتركيز شديد .. ( شيخة تبيك المديرة وجيبي معك أغراضك. استغربت لماذا ؟ قالت مدري بس شكلكم بتروحون الإشراف) قلت حسنا سوف ألحق بك. دخلت الإدارة كانت المديرة مشغولة بالبحث عن شيء ما في الأدراج قالت لي دون أن تنظر إلي (الإشراف طالبينك، فيه صالون عند الباب فيه كم معلمة من المدارس اللي حوالينا بعد بيروحون معك ) استغربت لكن سألت مازحة وليش طالبينا، بنأخذ إفراج إن شاء الله ) قالت إن شاء الله من يدري . يالله وقعي والله يسهل عليك.

ركبت الصالون فيه ثلاث معلمات غيري لكنني استغربت من حركة صدرت من إحداهن حيث كانت في السيارة وعندما رأتني نزلت لأركب أنا وتكون هي بجانب النافذة .. ركبت وقلت في نفسي (بلاه من صغر عقلك، لازم يعني عند النافذة)

تحادثنا قليلا فتعرفت على واحدة منهن والذي أعرفه عنها أنها معلمة دين في إحدى مدارس ليلى وهذا يعني أن هذه السيارة جاءت بها من ليلى ولم تنطلق من قريتنا . سألتها أنت معلمة في ليلى ماذا جاء بك إلى هنا ؟ تلعثمت ثم قالت أنا منتدبة إلى المدرسة المتوسطة. قلت يا سلام ؟ لي صديقة هناك .. كيف تنتدبين إلى مدرسة نصاب معلماتها أربع عشرة حصة ؟ يعني بعد انتدابك أصبح نصابهن ثمان حصص؟

قالت لاحقا سأفهمك كل شيء لكن سأريك الآن شيئا، لاحظت أنهن يحاولن مشاغلتي عن الطريق لكنني كنت منتبهة لكل شيء، نظرت إلى جانب الطريق ياساتر ما هذا ؟ حادث! فزعت المعلمتان حاولن عدم الاكتراث تمتمت إحداهن يالله سترك. أزحت بيدي المعلمة الأخرى، التي كانت على جانبي الأيمن ونظرت مليا.
تصادم شنيع بين سيارتين وشظايا متناثرة إلى مسافات بعيدة وبقعة كبيرة من التراب ملونة بالأحمر، يا إلهي كأنها سيارة أخي .
وما أن نطقت بهذه الكلمة حتى شعرت بأيديهن تحكم قبضتها علي، تثبتني على المقعد بقوة، صرخت من أقاصى التعب أخي ... ابتعدن عني، أنزلوني هنا أعيدوني .. إنه أخي، صاحت إحداهن أقفل الباب يابو عبدالله اذكري الله إن شاء الله أنه طيب.
طيب.. ما ظنيت، مات أخوي، علموني، لم يجبن سمعت إحداهن تنتحب وتقول ( الله يصبرك على مابلاك ) كن ممسكات بكلتا يدي وقد ثبتنني على الكرسي جيدا لم أقدر على الحركة .

كنت أبكي وأدعو اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه.
بالقرب من شقتنا رأيت كل زميلاتي وما أن نزلت حتى احتضنتني صاحبة البيت الذي نسكنه وأدخلوني إلى المجلس . وأنا أدور بعيني وأتفحص قسمات وجوههن علي أرى فيها ما يطمأنني على أخي، كنت كطفلة تائهة في يوم العيد بثياب رثة وهيئة كالحة أشعر بأنني لا أعرف أحدا كنت ساكتة لم أسأل عن أخي حتى لا أصدم بما لا أحب، لكن رباب ضمتني أحسن الله لك العزاء وجعل مثواه الجنة ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) دفعتها عني بقوة وسقطت أحادث فهد الذي رأيت وجهه أمامي، ألهذا أتيت يا فهد؟ ألهذا بقيت معي عشرة أيام ؟ حتى توقظ حبك الذي لم يخبو ثم ترحل ؟
ماذا أقول لأمك ؟ ماذا أقول لأبيك ؟ كانا يحلمان في هذه الحياة بشيء واحد ..أن تدفنهما وتقف على قبريهما داعياً لهما بالجنة .هل خطر ببالهما شيء غير هذا؟
تراءى أمام عيني طريق الموت الذي يتمدد كل يوم أمام ناظري كثعبان ضخم أسود ..صرخت .. لماذا لم تبتلعني أيها الجبان ؟ أنا من أتيت لك برجليّ وطرقتك ذهابا وإيابا كل يوم لسنوات أربع ؟ لماذا قررت أن تعذبني عمرا بأكمله ؟ لماذا تركتني لتبتلع أخي ؟

أخذني دوار كبير، رحلت بي سنوات عمري حيث كان فهد يدرأ عنا المخاطر دائما.. يحمل عنا الثقيل ويسير أمامنا في الأيام الممطرة ليمهد لنا الطريق وينفخ في طبقي حتى يبرّد طعامي كي لا يحرقني، لكن أن تقدم نفسك للموت بدلا مني يا فهد ؟ هذا كثير يا أخي كثير جدا، أنا لا أستحق كل هذا أنا من يجب أن تموت .. نعم أنا من يجب أن تموت.
لا أعرف أين أنا، لكني رأيت من حولي ممرضات، وطبيب يأمرهم بتكرار الحقنة المهدأة.
أفقت .. رأيت ابنة خالتي وأختها تبكيان وتقدمان لي العزاء .. قالت إحداهن هيا معنا يا شيخة لابد أن نعود الآن إلى الشرقية .. أتينا لنأخذك.

/

  رد مع اقتباس