عرض مشاركة واحدة
قديم 17 / 08 / 2009, 36 : 09 AM   #69
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,679
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

/

مذكرات مغتربة في الأفلاج (الحلقة قبل الأخيرة)

الرحلة 627 تغادر من جديد



بعد سنة كاملة..
حملت لنا حركة النقل الأخيرة اسم ليلى مع المنقولات إلى الشرقية ، ولكنها فرحة لم تكتمل.. فقد نُقلت إلى الخفجي وهي من سكان الأحساء. كانت وقتها تفكر في الاستقالة إن لم يمنحوها إجازة استثنائية خاصة بعد أن فقدت جنينا آخر.
أما زهرة فقد عادت إلى الأفلاج من جديد بانتظار حركة نقل أخرى علها تنتشلها مما هي فيه بعد أن زرعوا بداخلها بذرة الأمل بكون الأحقية في النقل ستكون لمن هم في مثل وضعها.. لكنها كانت سعيدة جدا بانتصار الحق وغلبته وتقول لنا إن عاقبة الصبر خير دائما.
أما أنا فقد حفرت الغربة نفسها بإزميل الفقد في مخيلتي واحتلت كل مساحاتي السعيدة وزرعتها شوكا وألما.. فأطبق جفنيّ إن نمت على جمر وتكتحل عيناي إن فتحتهما بنار الوحشة..وتعبر الأفلاج ذاكرتي المتصحرة بناسها ومغترباتها وأماكنها ومدارسها فلا يتبقى منها إلا ملامح أخي التي صبغتها بالألم.
لكنني مازلت أفتقد أخي فهد وما زلت رغم إيماني بقضاء الله وقدره أشعر بأنني السبب في موته لأنني أنا من ذهب به إلى هناك.
إنني أموت ألف مرة وأنا أرى أبي يفضّل أن يتجرع ألمه صابرا على أن يهاتف عمي ليرسل له أحد أبنائه ليذهب به إلى المستشفى.
على كل حال.. إجازتي تشارف على الانتهاء إلا أنني لا أريد العودة للتدريس ، لقد كرهت الوظيفة.
صارحت أمي برغبتي في تمديد الإجازة فلم تشجعني قالت بل أنت بحاجة في هذا الوقت تحديدا للعودة إلى زميلاتك ووظيفتك.
هاتفتني شما صديقتي الأفلاجية المخلصة كعادتها بين الحين والآخر لتطمئن علي لكنها هذه المرة كانت مختلفة..
قالت لي ضاحكة هذه المرة لم أتصل من نفسي بل هناك من أمرني بالاتصال لأحمل إليك رسالته.. ابتسمت وسألتها من هي ؟
قالت عجبا لماذا لم تقولي من هو ؟ دهشت وسألتها هو ؟ قالت نعم..إنه أخي بندر الذي حدثتك عنه كثيرا ، إنه يبلغك السلام ويسعده أن يتقدم طالبا يدك للزواج فإن كنت موافقة أتيناكم يوم الخميس..
صدمتني شما ، قلت أنعم وأكرم.. لكن أريد بعض الوقت قالت لك كل الوقت الذي تريدين، قالت ممازحة سأهاتفك لاحقا فالآن الجو غائم من حولي، قلت لها حسنا وأغلقت الهاتف.. أخذتني الأفكار بعيدا ، قبل سنوات كان بالنسبة لي أن أحصل على زوج بمواصفات بندر هو أقصى طموحي أما الآن فالوضع مختلف جدا..
أخفيت الموضوع عن أهلي يومين.. وفي اليوم الثالث كنا جالسين عصرا نشرب الشاي..لاحظت أن أمي مضطربة بعض الشيء لكني تجاهلت الأمر، استجمعت شجاعتها ثم قالت لدي ما أقوله لك ياشيخة قلت ولدي كذلك ما أقوله لك.. فرحت لأنها لم تكن مستعدة للكلام قالت هاتي ماعندك أولا : قلت مباشرة شما زميلتي كلمتني وقالت إنها تريد أن تأتي لتخطبني لأخيها منكم وتعمدت عدم ذكر اسم الأفلاج ، التفتت أمي بعد أن سمعت ما قلته لأبي ونظرت إليه بغرابة ، سألت مالأمر؟ قال أبي : رجل آخر تقدم لخطبتك كذلك قبل يومين وهو ينتظر الرد الآن ، إنه الدكتور طارق.. أمي المسكينة تعالت على أحزانها ومازحتني بقلب الأم الكبير.. من قدك يا شيخة البنات ( اثنين معاريس كل واحد يقول الزود عندي يالله اختاري ، أي واحد تبين ؟ )
أجبتها وسط ذهولها هي وأبي ( ولا واحد منهما، لن أبتعد عن أبناء أخي فهد.. لن يأخذني منهم أحد ) وقمت متوجهة إلى غرفتي.. سمعت أمي تناديني وأبي مطرق برأسه شيخة.. شيخة تعالي بس الله يهديك.
كنت أمشي وتداعب ملامحي صور أبناء أخي وابنتيه الصغيرتين.
كنت أردد أبيات الحطيئة :
ماذا أقول لأفراخ بذي مرخٍ //// زغب الحواصل لا ماء ولا شجرِ…..
سنة تلو أخرى ولم ينجح أحد في إقناعي بفكرة الزواج وما زالت شما تصر أنها مسألة وقت وأعود كما كنت.. وكذلك الدكتور طارق.. وأنا مازلت أزداد التصاقا بأبناء أخي وأمهم وما زال فهد يزورني ليطمئن على أبنائه ويعرف أخبارهم مني.. لكن كلما حدثته أو حدثني وجدت أمي تقنعني بالعودة إلى مستشفى الصحة النفسية. فهل أنا مجنونة حقا؟
ومازالت الغربة تولد من جديد بألف وجه بشع يتمدد أمام العابرات نحو المستقبل وتمتلئ صفحات الصحف.. بمعلمات يتحولن إلى كومة من لحم محترق معبأ في أكياس سوداء على طرق الطموح السريعة وغيرهن يقدمن رجالهن قرابين فداء لأحلام تتحقق شوهاء كسيحة ، حتى يتمنين لو أنها ماتت وهي في مهدها..
وأقلب صفحة الجريدة وأقرأ عنوانا كبيرا.. الرحلة 627
كان مكبر الصوت في محطة النقل الجماعي صاخبا..
والصالة تعج بالمسافرين والمنتظرين لرحلاتهم. أحدهم نام متوسدا حقيبته والآخر يحاول الاستمتاع بوجبة سريعة أبعد ما تكون عن المتعة.

/

  رد مع اقتباس