عرض مشاركة واحدة
قديم 10 / 03 / 2014, 27 : 12 AM   #1
فتى الجميزه 
" شاعر "

 


+ رقم العضوية » 53052
+ تاريخ التسجيل » 21 / 05 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 7,178
+ معَدل التقييمْ » 10672
شكراً: 3
تم شكره 128 مرة في 119 مشاركة

فتى الجميزه متواجد حالياً

افتراضي الـرحـــــــيـل المـــــــر

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رحيل البدو صوت المنادي يطوي ذكريات الأماكن والعاشق يقطع المسافات بحثاً عن عديل الروح
الرحيل المر يجدد ذكريات الأماكن وحالات العشق الخاصة


الرحيل والترحال جزء من حياة البادية منذ القدم بحثاً عن الكلأ وتجديد المكان، حيث يشكل الرحيل من مكان لآخر تظاهرة اجتماعية لدى سكان البادية يصحبها العديد من التغيرات وغالباً مايكون الترحال بشكل جماعي، وهذا يحقق التعاون والأنس خلال الطريق والمقام في المكان الجديد، وبسبب الترحال جاء مسمى البدو الرحل.

والجزيرة العربية بتباينها التضاريسي والنباتي واتساعها كانت مسرحاً للترحال الذي يعرف باسم "الرحيل المر" عندما يفرق بين الأحباب أو الجيران، يقول أحد الشعراء يصف هذه الحالة:

كل ماجيت أنا وحبيبي أنتلايم

شد الشديد ونوهو بالتفاريق

المناداة بالرحيل

والتنويه من الأمور التي تحدث في بداية الرحيل، فعند ما تشد الأمتعة على الرحال يظهر شخص ينادي وينوه بالرحيل حتى لايتخلف أحد أو يتأخر، والتفكير في الرحيل يبدأ عند ما تلوح البروق في السماء وتأتي الأخبار عن العشب والربيع؛ يلي ذلك مايعرف ب"العساسة" وهي أن ترسل القبيلة أو الجماعة من البدو مجموعة من شبابها من ذوي المعرفة والفراسة لتحديد المكان المناسب للرحيل ويوجد فيه العشب المناسب للمواشي من الإبل والأغنام ومعرفة موارد المياة او الغدران من حوله، وتقاس مسافة الرحيل الى المكان الجديد بما يعرف باسم (الشدة) وهي تختلف في القياس من منطقة لأخرى ويحكم ذلك تضاريس المكان وتعادل بالقياس مابين 40 الى 50 كيلو.

والرحيل قد يكون بشكل جزئي لمجموعة وبقاء مجموعة وهنا يحدث مايسمى بالرحيل المر لما فيه من الفراق الذي قد يكون أبدي لعدم وجود وسائل الاتصال بعد الرحيل أو عدم العودة الى المكان نفسه وهذا يحدث عندما تتجاور مجموعتين من البدو كل مجموعة من قبيلة وتعرف كل مجموعة باسم الفريق، حيث يصاحب مرحلة الرحيل دراما تدور أحداثها المؤلمة في صمت وأنين تصحبه دموع الفراق ويزيد من ألم الفراق العشق.

بين المفارق وبين المقيم يقول الشاعر زبن بن عمير يصف هذه الحالة:

جاض قلبي يوم شفت البيت ينطوي

جوضة اللي وطا رأس الحنيش

ساعة الرحيل المر

وعندما تحين ساعة الرحيل قبيل طلوع الشمس ينهض الجميع للوداع، وأسدال الستار على مرحلة في حياة البدو الرحل يكون آخر خيوط شمسها عندما ينخفض الأفق ويبتعد الضعن والأيدي تلوح بمرارة وقد يكون في بعضها الحنا المنقوش عندها يخيم الحزن على المكان الذي لم يبقى فيه سوى ذكرى للراحلين ومنها أحجار "القدر الثلاث" وهي بقايا تعرف باسم الرسوم منذ القدم يقول الشاعر الجاهلي:

لهند بأعلى ذي الأغر رسومُ

إلى حدأ كأنهن وشومُ

وللرحيل، وخفقان القلوب العاشقة، وانهمار دموع الوجد والفراق ماصوره الشاعر المبدع عبدالله بن سبيل، إذ يقول:

لولا الحيا لارقى طويل الرجومي

واصيح بصوت كل من حولي أوحاه

عليه قلبي بين الاضلاع يومي

أوماي صقارً لطيره ولاجاه

دارً سكنها لاسقتها الغيومي

يقحط محله بالمحل لين تجفاه

علمي بهم بالقيظ حامي السمومي

واليوم عشب الوسم تشبع رعاياه

سقوى إلى جو يتبعون الرسومي

وتطاولوا وادي الهييشه ومجراه

ويترك الأحبة آثارلهم في المكان توقظ جروح الشوق للعابر من حولها أو لمن يبحث عن رائحة الراحلين وذكرياتهم عندها يقبل المكان ويسلي العاشق نفسه بما تبقى فيما يعرف باسم المراح، وعند ما تسير خلف آثار أخفاف الإبل التي رحلت الى المكان البعيد نجد أن وقع اقدامها يزين ابيات شعر الفراق والرحيل المر، وترسم أخفافها قلوباً على الرمل ينقصها سهم اللوعة وألم الفراق وتسير الخطى نحو البعيد تكتب سيرة ملحمة الصحراء بطبيعتها القاسية مثل ألم الفراق وعطائها عند هطول المطر يجدد فرحة لقاء جديد وعند الجفاف تظهر ملامح شبح الفراق والرحيل من جديد، هكذا هي الصحراء في جزيرة العرب تحتضن بأشواكها وتعطر المكان بروائح زهورها عندما ينهمر على سطوح أرضها المتشققة المطر وتسيل شعابها، ومن هنا تبدأ حياة جديدة لقادم من بعيد قد يكون مجهولاً في البداية وعندما يحتويه المكان وتختلط روائح زهور الصحراء بالإنسان في مكان يعتبر أقل درجات الاختصار للمجتمع الواحد وهو مايعرف بالفريق، لذا تكون المعرفة فيه بالأفراد القاطنين دقيقة من الجنسين ووسط هذه الدراما الصحراوية يولد في القلوب عشق عفيف وقد تكون ولادته في مفالي الإبل أوالغنم بدايته بسؤال عن أحوال الحلال ثم نظرات إعجاب مفعمة بالاحترام وتقدير عادات العرب في التعامل مع المرأة بكل حرص ومرعاة كرامة اهلها الجيران في المكان، ومع بداية نسيج العشق في شغاف القلوب تتغير ملامح المكان ويصفر ورق العشب وتذبل الزهور ويجف المكان وتعود المواشي الى موقع مراحها في وقت الضحى تبحث عن الماء وكأنها تعلن بداية مرحلة الظمأ لساكني المكان جميعا وهنا يلوح شبح الفراق وتتعالى أصوات غير مرغوب في سماع ما تقول لأنها تنادي بالرحيل والعودة إلى الموارد قبل ان يحل القيظ بلهيبه وتلتهب القلوب العاشقة ويبدأ الحزن يلفها وتنهمر الدموع تحاول سقيا المكان ليعود كما كان ويبقى الراحلون قليلاً يقول أحد الشعراء يصف هذه الحالة:

ياعين لاتبكين من حر الفراق

هذا زمان حل فيه الفراقي

سبة ظعون شلعوا قبل الاشراق

قفوا وانا قلبي تحول حراقي

لحظات العشق..والفراق!

وتسمى عودة البادية من مواقع الربيع بعد حلول فصل الصيف الحار الى المواقع الاصلية للبادية، حيث الموارد والمقياظ (بالمفراع) لذا يقال لهم مفرعين، وتواجدهم حول موارد المياة يسمى مقطان، ويقال البدو قطين وعند المقطان تنشأ حياة اجتماعية أخرى ولكن في دائرة القبيلة والاقارب وهي تطول على العاشق المفارق الذي ينتظر متى تلوح بروق الوسم بعد أن لفت سموم القيظ عشب الأرض الأصفر

يقول الشاعر
لفت سموم القيظ عشبً تلفه

العرق قاصر والثرى عنه قفا

وللرحيل ولحظات الفراق بعد العشق الذي ينشأ بشكل قوي ولاينتزع حتى يمتشق القلوب آثار في لغة التفاهم والشعر والمفردات لذا تجد أشعار وقصص التوجد هي السائدة ويعود ذلك إلى أن الفراق في ظل ظروف الصحراء وتقلباتها يشبه الأبدي حتى في نطاق المعارف، وقد نتج عن ذلك مفردات وأمثال منها الوجد واللوعة والفرقا وغيرها ويقال أيضا( روحة آل فلان) أي رحلوا ولم يرجعوا ومن هنا ينبع قوة التألم واللوعة عند الفراق يقول الشاعر:

ياعين وين أحبابك اللي تودين

اللي ليا جو منزلً ربعوا به

وللعاشق دور في قطع المسافات واختصارها وعدم الشعور بالتعب، فعندما تأتي الأخبار عن نزول الحبيب في مكان ما فإن الأقدام تسير نحوه وقد تدبر الأمور نحو الرحيل الى ذلك المكان دون علم بعض الراحلين وكل ذلك من أجل المحبوب، وغالباً ماتنتهي قصص العشق بالزواج ان كتب لها البقاء والبعض يكتب لها الفراق وقد سطر التاريخ العربي القديم والحديث لرحيل البادية العديد من القصص التي يعد البعض منها أشبه ما يكون بنسج من الخيال ولكن ترحل القلوب العاشقة على ظهور الإبل مع الراحلين يقول العطاوي:

يامل قلب عانق الفطر الفيح

كنه على كيرانهن محزومي

مواقف وقصص

ومن قصص ساعات الرحيل وفك أطناب بيوت الشعر أن فتاة كانت تربط كل حبل يفك وترد الأوتاد مكانها وقد لمحت أمها هذا التصرف من ابنتها وأدركت أنها لاتريد الرحيل من المكان، وعندما سألتها قالت عندما تُخرجون أوتاد البيت من الأرض فكأنكم تُخرجون قلبي من مكانه!.

كما انهم يملكون معرفة بالنجوم ودخول الفصول وتغيرات الجو، وهذا مقترن بلحظات الرحيل التي يترتب عليها الفراق، ويترك البعض بعض آثارهم في المكان ورموز تدل على المكان الذي سيرحلون اليه وهذا في حالة غياب العاشق عن محبوبته يوم الرحيل، ومن ذلك ان فتاة قامت بوضع مجموعة من الأحجار تشير الى وجهة الرحيل ووضعت حجرين أبيضين توضح المسافة ثم وضعت أوراق نبات "الشري" الحنظل وهو نبات سام ومر دلالة على مرارة الفراق بينها وبين معشوقها؛ وعندما شاهد محبوبها رسوم الأحجار على الأرض عرف اسم المكان الذي رحلوا اليه ومسافته وشعور الفتاة لحظة الفراق، وتعد الرسوم من أطلال المكان عند العرب منذ القدم وقد ذكرت في مقدمة القصائد في العصر الجاهلي للعرب مازالت هذه متوارثة حتى في عصر البادية الحالي.

«المقطان» يعيد الحياة الاجتماعية حول الماء والكلأ

حياة البادية مليئة بالكرم والنخوة رغم معاناة الترحال

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

منقول

اتمنى أن يروق لكم

سبحان الله وبحمده

سبحان الله العظيم

 

  رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ فتى الجميزه على المشاركة المفيدة:
شموع الغربية  (15 / 03 / 2014), wafei   (10 / 03 / 2014)