الموضوع: العجوز والشايب
عرض مشاركة واحدة
قديم 21 / 04 / 2012, 06 : 09 AM   #1
عبدالله 12 
مدير المنتدى العام

 


+ رقم العضوية » 52810
+ تاريخ التسجيل » 17 / 04 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 2,588
+ معَدل التقييمْ » 1365
شكراً: 16
تم شكره 75 مرة في 68 مشاركة

عبدالله 12 غير متواجد حالياً

افتراضي العجوز والشايب


قابلت قبل عدة ليالٍ زميلاً لي من زملاء الدراسة لم أكن قد رأيته منذ سنوات عديدة، وقد حاولت أثناء حديثي معه أن يشرفني ويرافقني إلى منزلي، ولكنه اعتذر قائلاً بأن لديه ارتباطات مسبقة مع"الشايب والكهلة"،
فسألته متعجباً: من هما الشايب والكهلة؟
فقال: هما الوالد والوالدة.

وعندها تغيرت نظرتي لذلك الزميل القديم، ووجدتني أقول له: إنا أعرف بأنك بارُ بوالديك، ولكن هذا البر لا يمكن أن يكتمل ما لم توقرهما وتنعتهما بأجمل الأسماء والأوصاف، وكان يمكنك أن تقول - على الأقل- بأنك مرتبط مع والديك أطال الله بعمرهما.
وعلى الرغم من استغرابه من كلامي في البداية، إلا أنه عاد فاعتذر قائلاً: أنه تعوّد على سماع هذين اللفظين (الشايب والكهلة) من الآخرين فظن أنه لا شيء في قول ذلك.

وفي الحقيقة فقد صدق زميلي القديم في جزء مما قال، حيث لم يعد من المستغرب أن نسمع بعض الناس عندما يتحدث الواحد منهم عن والدته فيشير إليها بقوله العجوز أو "العجوزة"، أو الكهلة، وكذلك عندما يتحدث عن والده فإنه يشير إليه بقوله الشايب، أو "الشيبة".

كم تحمل تلك المفردات من العقوق المبطن للوالدين!، فهل جزاء الأم التي حملتني تسعة أشهر وغذتني من دمها، وأرضعتني من لبنها، وحرمت نفسها من النوم من أجل أن أنام وارتاح، ولم تفتأ طيلة حياتها تحوطني بمشاعر الحب والرعاية، فهل جزاءها أن نشير إليها في حديثنا عنها على أنها العجوز أو الكهلة؟
وهل جزاء الأب الذي بذل الجهد والمال في سبيل تربيتي وإسعادي بقدر طاقته، وهو الذي عاني كثيراً من أجل تعليمي حتى صرت امرأة أو رجلاً، أن نشير إليه بعد ذلك بالشايب أو الشيبة.
كم في هذه الكلمات من القسوة تجاههما، وكم تلغي هذه المفردات جميع ما قدمه ويقدمه لنا الوالدان من محبة وجهد وسهر ومال خلال سنوات أعمارنا.

إن الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ونظمّها ووضع أسس استقامتها. ولعل من أهم ما نظمّه الإسلام وجعل له من الضوابط هو صلة الناس فيما بينهم، وبما يضمن استقرار المجتمع وعدم اختلاله، ومن تلك الضوابط أن جعل للأبناء حقوقاً على والديهم تبدأ من قبل ولادة الأبناء حتى قوتهم، كما جعل للوالدين حقوقاً على أبنائهم تبدأ من فترة قوة الوالدين وتستمر إلى ما بعد ضعفهم. ولهذا شدد ديننا الحنيف على تلك الحقوق.
ففي القرآن الكريم والسنة المطهرة الكثير من النصوص التي نعرفها جميعاً وتدعو إلى البر وتوقير الوالدين في حياتهما وبعد مماتهما، ولذلك نشاهد القرآن يجعل حقّهما بعد حق الله على الإنسان، فهو عندما يأمر الإنسان بالاعتراف بالفضل وشكر الله وعبادته، يُردف ذلك الأمر بشكر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما، والرحمة بهما، والتواضع لهما، فهما سبب وجود الأبناء بعد الله، ومنهل الرعاية والعناية.

كم أتمنى أن تختفي من أفواه البعض الكلمات المؤلمة مثل الشايب والعجوز التي تدور على ألسِنتهم عندما يتحدثون عن آبائهم وأمهاتهم، والأهم من ذلك هو أن لا نتلفظ بها نحن عندما نتحدث عن والدينا.

  رد مع اقتباس