[SIZE=4][FONT=Arial Black][B]الحلقة الثالثة
توقفنا في الحلقة السابقة عند تأسيس دولة بني اسرائيل في القدس و ما حولها و كان ذلك في بداية القرن العاشر قبل الميلاد . و حكم هذه الدولة داود ثم سليمان عليهما السلام .
ثم بعد وفاة سليمان حدثت بعض الخلافات السياسية و العقائدية ادت الى انقسام الدولة الى دولتين :
دولة اسرائيل في الشمال و عاصمتها السامرة .
و دولة يهوذا في الجنوب و عاصمتها القدس مدينة السلام " اورشليم " .
ووقعت بين الدولتين سلسلة من الحروب و الفتن استمرت حتى نهاية القرن الثامن قبل الميلاد حيث غزا سرجون ملك الآشوريين دولة اسرائيل و استولى على عاصمتها السامرة و نفل كثيرا من سكانها اسرى .
ثم استسلم ملك يهوذا و خضع للحكم الآشوري ايضا .
و في هذه الفترة انتشر الفساد بين شعب بني اشرائيل حتى بدأت تظهر بعض المظاهر الوثنية على بعض الملوك و عوام الشعب مما ادى الى خروج بعض الانبياء منهم حاربوا مظاهر الشرك و الوثنية في المجتمع الاسرائيلي .
حتى حدث في اوائل القرن السادس قبل الميلاد تحول كبير في تاريخهم فقد سقطت القدس في يد الملك البابلي " نبوخذ نصر " و ساق معه آلاف الاسرى من الشعب الاسرائيلي الى بابل مكبلين بالحديد و كان هذا الاسر هو الاسر البابلي الاول .
ثم بعد سنوات ثارت مملكة يهوذا فغضب نبوخذ نصر و توجه بجيشه مرة اخرى الى اورشليم ( القدس ) و دمرها و حرق هيكل سليمان و هدمه و سلب خزائن المدينة و قتل عددا كبيرا من سكانها و اخذ معه عددا كبيرا آخر اسرى (لينوحوا عند مياة الفرات في بابل ) و كان هذا هو الاسر البابلي الثاني . و تغنى شعراؤهم بهذه المأساة بقصيدة مشهورة عندهم يقول مطلعها :
على انهار بابل جلسنا و بكينا على ذكرى صهيون
( ظهرت اغنية قبل عدة سنوات تحمل نفس المعنى " by the rivers of Babylon " )
و كانت هذه المرحلة ( مرحلة الاسر البابلي ) من اهم المراحل التي تكونت خلالها عقيدتهم و افكارهم و خططهم التي مازالوا يحملونها حتى اليوم .
و في هذه المرحلة بدأت عملية تحريف التوراة بالطريقة التي تخدم خططهم المستقبلية . لذلك سأتوقف قليلا لتحليل احداث هذه المرحلة الهامة من تاريخهم لنفهم نفسياتهم و دوافعهم أثناءها .
فقد انزل الله بهم الهزيمة و الذل و ازال دولتهم بسبب كثرة فسادهم و ذنوبهم التي فاقت الحدود و ذلك باعترافهم .
و استمرت مرحلة الاسر البابلي حوالي ستين سنة من المعاناة و الذل فتخيل معي الحالة النفسية لشعب كرمه الله و فضله على كل الشعوب المعاصرة له و جعل فيه النبوة و الكتب المقدسة حتى تكونت عندهم قناعة بانهم شعب الله الذي اختاره ليكون قائدا للعالم كله فكانوا ينظرون بازدراء لكل الشعوب الوثنية الجاهلة التي لا تعرف الله و يعتبرون انفسهم سادة عليهم .
فتخيل ان يتحول هؤلاء السادة الى عبيد يخدمون من كانوا قبل ذلك في منزلة الخدم بالنسبة لهم . فكم تتصور مدى الحقد و الغيظ الذي ملأ قلوبهم . لقد تكونت في نفوسهم ردة فعل عنيفة في صورة كراهية عمياء ضد كل الامميين ( غير اليهود ) و رغبة عارمة في الانتقام منهم خصوصا انهم تعرضوا خلال تاريخهم الطويل لشتى انواع الاضطهاد و التعذيب من كل الشعوب التي اختلطوا بها و ذلك بسبب غدرهم و سوء اخلاقهم و عقابا من الله على كفرهم و تمردهم " و إذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب " (الاعراف167)
فكانت عمليات الاضطهاد المستمرة ضدهم من كل الشعوب سببا في زيادة انعزالهم و اشتعال نار الحقد في قلوبهم ضد جميع الشعوب (الامميين – "الجوييم" بالعبرية اي غير اليهود ).
ظهرت في هذه المرحلة جماعة منهم سميت بالفريسيين ( اي المنشقين ) بدأت هذه الجماعة في ترجمة معاناة الشعب الاسرائيلي و رغبته في العودة الى اورشليم و استعادة امجاد الآباء بدأت تترجم هذه الاحلام الى مخطط يكتسب الطابع الديني من خلال تحريف التوراة . فزرعوا في التوراة فكرة الوعد الالهي لشعب بني اسرائيل بالعودة الى اورشليم و اقامة مملكة قوية تسيطر على جميع شعوب الارض و تستعبدهم و تنتقم منهم و تسومهم سوء العذاب و تتخذ منهم خدما و عبيدا تحت اقدام شعب بني اسرائيل الذي يحبه الرب .
وان الرب سيبعث منهم ملكا يقودهم لاقامة هذه المملكة الموعودة التي عاضمتها اورشليم و يتوسطها الهيكل ( الذي هو قبلتهم في منزلة الكعبة عندنا ) و هذا الملك اسمه " الماشيح " اى المسيح .
و ظلت فكرة الوعد التوراتي مسيطرة على عقولهم حتى اصبحت محور عقيدتهم الدينية و محور فكرهم و خططهم السياسية .
لاحظ هنا ان فكرة الوعد التوراتي ليست موجهة ضد شعب واحد ( الشعب البابلي او الفلسطيني مثلا ) و ليس هدفها استعادة القدس و ما حولها فقط و انما القدس و ما حولها ( فلسطين الآن ) هي فقط نقطة الانطلاق لاقامة المملكة العالمية التي تسيطر على كل شعوب الارض و تنتقم منهم جميعا و تستعبدهم لخدمة بني اسرائيل الذين سيصبحون بمثابة الملوك المتحكمين في كل شعوب العالم .
الى هنا نتوقف قليلا لنستريح قليلا من حرارة احقادهم و شرور نفوسهم .
و نلتقي في الحلقة الرابعة ان شاء الله
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحلقة الرابعة
وصلنا في الحلقة السابقة الى مرحلة السبي البابلي و كيف ان عملية تحريف التوراة بدات في هذه المرحلة لتخدم هدفا سياسيا و تجعل منه محور سعي شعب بني اسرائيل و هو هدف العودة الى الارض المقدسة و اقامة دولة تحكم كل شعوب الارض و ذلك تحت قيادة المسيح المنتظر و تستمر هذه الدولة كما يزعمون ما لا يقل عن الف سنة يكون خلالها كل الشعوب خدما و عبيدا تحت اقدام اليهود .
و في هذه الحلقة انقل لكم بعض النصوص من التوراة كدليل على ذلك و لتوضيح الخلفية العقائدية التي ينظرون الينا من خلالها :
" انا الرب الهكم الذي فرزكم من بين الامم " ( سفر الاخبار 20 : 24 ) .......فكرة شعب الله المختار
" اختارك الرب لكي تكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الارض " ( تكوين – 15 ) ) .......فكرة شعب الله المختارايضا
يقول الرب لابراهيم " لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات "
" و اذا ادخلك الرب الهك الارض التي انت صائر اليها لترثها و استاصل امما كثيرة من امام وجهك ... و اسلمهم الرب الهك بين يديك و ضربتهم فابسلهم ابسالا لا تقطع معهم عهدا و لا تاخذك بهم رافة بل كذا تصنعون بهم تنقضون مذابحهم و تكسرون انصابهم و تقطعون غاباتهم ... انك شعب مقدس للرب الهك و اياك اصطفى الرب الهك ان تكون له امة خاصة من جميع الامم التي على الارض " ( سفر تثنية الاشتراع 7 :1 ) .... هكذا يامرهم ربهم بمعاملة سكان القدس وغيرها من البلاد التي وعدهم ان يملكوها , فلا غرابة ان نرى جرائمهم من قتل و هدم و تجريف كل يوم فهي طاعة و عبادة يتقربون بها الى ربهم فالابادة الجماعية لغير اليهود هي اقصى درجات الاخلاق و التدين عند اليهود .
" هانذا آخذ بني اسرائيل من بين الامم التي ذهبوا اليها و اجمعهم من كل ناحية و آتي بهم الى ارضهم و يسكنون فيها و بنوا بنيهم الى الابد و اقطع معهم عقد سلام فيكون عهدا مؤبدا " ( حزقيال )
..... هكذا يعدهم ربهم ان يجمعهم من بلاد الشتات الى الارض الموعودة ليسكنوا فيها هم و ذريتهم الى الابد .
منقول[/B][/FONT][/SIZE]
للحديث بقية