عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 09 / 2018, 11 : 09 AM   #1
عبدالله 12 
مدير المنتدى العام

 


+ رقم العضوية » 52810
+ تاريخ التسجيل » 17 / 04 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 2,588
+ معَدل التقييمْ » 1365
شكراً: 16
تم شكره 75 مرة في 68 مشاركة

عبدالله 12 غير متواجد حالياً

افتراضي "النار ما تحرق إلّا رجل واطئها"

تجسّد الأمثال لمختلف الثقافات عصارة حكمة الحكماء لكافة الأجيال فيها، والتي بقي معظمها مقبولاً على مختلف العصور. وتتميز اللغة العربية بوجود كم كبير من الأمثال العربية التي لازالت تُستخدم للاسترشاد بها حتى الآن. ولعل من أشهر وأكثر تلك الأمثال مطابقة للواقع مثل " النار ما تحرق إلّا رجل واطئها"، وهو يعنى باختصار أنه لن يشعر بالألم الفعلي أو الحاجة الحقيقية إلّا من هو يعاني من آلام وويلات ذلك الألم أو تلك المشكلة.
ما دفعني للبدء بالإشارة لهذا المثل هو حوار سمعته صباح أمس عندما كنت في أحد محلات بيع المعدات الطبية، وكان هناك شيخ في أواخر الستينات من عمره (كما أخبرني لاحقاً) يسأل البائع عن جهاز معين ومحدد للمساعدة في تخفيف انقطاع التنفس أثناء النوم.
لم يكن لدى البائع الجهاز المطلوب، ولكن كان لديه أجهزة أخرى مشابهة له، ثم أخذ البائع يحاول أن يُقنع المشتري بشراء الأجهزة البديلة كما في الحوار التالي:
البائع: هذا الجهاز يشبه كثيراً الجهاز الذي طلبته.
الشيخ: لكنه ليس الجهاز المطلوب.
البائع: هو يؤدي نفس الشيء، ويساعد في منع انقطاع النفس أثناء النوم.
الشيخ: لقد جربت أجهزة كثيرة ولم استفد منها، حتى جربت الجهاز الذي أبحث عنه، فأراحني كثيراً.
البائع: كل الناس يشترون من هذه الأجهزة.
الشيخ: ولكن ما كل الناس مشاكلهم متماثلة.
البائع: خذ أي جهاز وراح يحل لك مشكلتك.
الشيخ: الكلام سهل يا أبني، لو ما كنت متأكد أنه ما ينفع لي، كان أخذته، ترى النار ما تحرق إلّا رجل واطئها.
وهنا استأذنت الشيخ المشتري ليشرح هذا الاستدلال الذي أعجبني،
فقال: قبل ما يسخّر لي ربي الجهاز اللي أدور عليه الآن، ما كنت أقدر أنام أكثر من ربع ساعة متواصلة بسبب تقطّع النفس، فكان ليلي قلق وسهر، ونهاري خمول وكسل لأني ما أتحصل على كفايتي من النوم. .. ولا يشعر بحالي أحد لأن هذا المرض ليس من الأمراض الظاهرة.
بعد أن وصف لي أحد الأطباء ذلك الجهاز استطعت أن أنام النوم المستمر الكافي بالليل، وبالتالي أمضي نهاري وأنا نشيط، حتى تعطّل الجهاز قبل يومين، فعدت إلى حالي السابق، ولهذا قلت له أن النار ما تحرق إلا رجل واطيها.
حقيقة، استفدت من الحوار مع ذلك الشيخ معلومة ولو بسيطة عن مرض انقطاع النفس أثناء النوم، كما استفدت شيئاً مهما وهو أن بعضنا قد يتعاطف مع الآخرين، ولكنه لا يشعر أحياناً بالمعاناة الحقيقية لما يشعر به غيرهم سواء من حيث الألآم أو الهموم نتيجة للمرض، المشاكل، أو الديون، وغير ذلك من أنواع المعاناة المختلفة.
وقد يكون مما نقصّر فيه أحياناً عدم مراعاتنا لاحتياجات كبار السن في الأسرة وذلك بحجة مشاغلنا، ولعل أبسط تلك الاحتياجات هو الجلوس معهم، والتبسّط لهم، وسؤالهم عما ينقصهم وعما يحبون، واصطحابهم معهم في الرحلات والزيارات كلما تسنى ذلك، فهم يُعانون كثيراً من الوحدة التي تجلب لهم الهموم والأمراض خاصة بعد أن كانوا هم الأمرين والناهين في السابق.
ذكرني ذلك الشيخ حفظه الله بهاذين البيتين من الشعر:

المـرّ يا صاحبي يفرق عن الحالي
“والنار ما تحرق إلا رجل واطيها”

الناس ما همها جرحي ولا حـالي
اليــوم كل يبي نفســـــــه يبديـها

  رد مع اقتباس