عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 07 / 2009, 43 : 06 AM   #13
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,656
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...


مذكرات مغتربة في الأفلاج ( 13 )
معلمات بلا مبدأ

إلحاح شما في دعوتها لنا جعلني اعترف لها بمخاوفنا سيما وهي صديقتي المقربة، هذا الأمر جعلها تضحك كثيرا وختمت موشح الضحك بقولها (الله يقطع شيطانك يا شيخة، تعالوا بس وماجاكم بوجهي) سألتها هل ستدعين معنا أحداً؟ قالت ثلاث من صديقاتي بيعجبونكم.
وجاء اليوم الموعود وذهبنا نقدم رجلا ونؤخر أخرى، رنّت ليلى الجرس وفتحت لنا الخادمة، كانت شما تنتظر دخولنا وبمجرد أن رأيتها أصبت بالدهشة، كانت ترتدي بنطالا وبلوزة بلا أكمام، سلمنا عليها ودخلنا كانت صديقاتها بالداخل وصوت المسجلة يصدح، أطفأت شما جهاز التسجيل قالت مخاطبة صديقاتها هؤلاء شيخة وليلى اللواتي حدثتكم عنهن بدأت إحداهن تقلدنا بشكل لطيف ومهذب وقالت بلهجة شرقاوية مائعة ونحن نضحك يا هلا والله ومسهلا بهل الشرقية أسفرت وأنورت واستهلت وأمطرت ثم اتبعتها بأغنية(الهوى شرقي وقلبي هاوي الشرقية) فأكملناها معها ونحن نضحك في جلسة بناتية حميمية رائعة أحسسنا فيها بالألفة والانسجام لأول مرة ثم تعارفنا لاحقا ورأيت ضحكات وتعليقات ليلى التي اشتقت لها كثيرا.
صارحنا فيها بعضنا كثيرا، قالت لي إحدى صديقات شما مجتمعنا في الأفلاج مثل مجتمعكم في الشرقية مثل مجتمعات أخرى كثيرة تعاني من التناقض.. أنا أخي معلم بإحدى مدارس التحفيظ وإن سألته عن التدخين سيقول لك حرام وهو يدخن (الشيشة) وإذا ضحكنا منه قال كلكم تعلمون أن هذا ليس اختياري.. أبي ألبسني جلبابه بصفته مؤذناً في مسجد الحي. عقبت ليلى: كأنك تتكلمين عن زوج أختي هو كذلك يدخن المعسل في البيت أو في سفره إلى الدول العربية لكنه لا يجرؤ على إخبار أحد من أهله بالأمر وأختي تتفهم ذلك وإن كانت لا تشجعه خوفا على صحته.
اكتشفنا أن شما وصديقاتها يحملن نفس التطلعات والهموم والمعاناة، وموال لا ينتهي من الآمال والطموحات، ويجدن في الرياض متنفسا رائعا يمارسن فيه الحرية لبعض الوقت.
اتفقنا على أن نجتمع كل ليلة أربعاء في بيت واحدة منهن عرضنا عليهن المشاركة في الدورية فرفضن، قالت شما أنتن مغتربات واحنا أصحاب محل، الأمر أسهل بكثير بالنسبة لنا تقدرون تجيبون معكم ترامس الشاي والقهوة وأنتن جايات، كانت مزحة بالطبع، وإلا فلا أعتقد أن هناك كرما يوازي كرم أهل الأفلاج ممزوجا بطيبة لا متناهية خاصة عند أهل القرى ويتفوق أهل القرى على أهل المدينة بالسماحة وحسن النوايا وعدم التعصب الديني تحديدا. كنا في بداية اغترابنا لا نحب الأفلاج لأننا نعاني بها أما الآن فقد بتنا أكثر قدرة على قراءة مشاعرنا، نعم نحن لا نكره الأفلاج بل أحببنا فيها صديقات كثر. وفيها أماكن كثيرة احتضنت من لحظاتنا السعيدة التي سرقناها من جيوب الغربة ما يكفي لتحتل مساحة كبيرة من الذاكرة شئنا أو أبينا.كنا كمغتربات عنصرا غريبا على هذا المجتمع المحافظ ينظرون إلينا كمعلمات بلا قيم يسافرن بلا محرم ويسكنّ لوحدهن كنا نُحارب أحيانا كثيرة من قبل البعض، لكن مع مرور الوقت أصبحوا أكثر تفهما لظروفنا وأكثر تعاونا معنا أو لربما تعاطفا معنا، كانوا أيضا يعتقدون أن الحاجة المادية هي السبب الوحيد لهذه الغربة وكم كانوا مندهشين عندما عرفوا أن من بيننا من هي على استعداد لتدفع من جيبها لتحقق ذاتها وطموحها واستقلالها وإن كان عن طريق الغربة أيضا. نحن ندرك أن الأفلاج وأهلها لا ذنب لهم في شعورنا بالغبن والقهر عندما تُرفض إجازتي المرضية لأنها من الأحساء ويطلبون مني ألا أمرض إلا في الأفلاج ويخصم بعدها من راتبي، ولا ذنب للأفلاج وأهلها عندما أراجع مستشفى الأفلاج فلا أتلقى العناية الكافية في قسم الطوارئ وإذا طلبت مراجعة العيادات قالوا لا تستطيعين فتح ملف بدون ولي أمرك، ولا ذنب للأفلاج وأهلها عندما أتسلم خطابا من الإدارة في الرياض يفيد أنهم لايمانعون في نقلي إلى الأحساء بشرط تعجيزي وهو أن تستغني عني الأفلاج فيرد المسؤول عندهم وبناتنا يضيعون ؟ لا (ما نستغني).
فأشعر أنني أحمل ضياع الكون بأكمله بين جنبي وأغص بكلمة وأنا ؟؟؟ هل الضياع قدري ؟ فأبلعها لأنني أعرف الرد.. بكيفك ما حدن جابرك، استقيلي ومكانك ألف وحدة. فلتعذرني الأفلاج لأنها قدري المغترب، قد أحبها لاحقا وقد أتغزل ببساطة كل ما فيها وعفويته وقد يسحرني كل شروق شمس فيها يزفني كعروس إلى حيث الحلم بكلمة (أستاذة) يصبح حقيقة. لكنني الآن لا أحبها ولا أكرهها.
إنني أتوسل إليها أن تعيدني إلى البذرة التي غرستها في شرفة غرفتي قبل أن تموت عطشا فقد هرمت أمي ولا تستطيع الصعود لأعلى لتسقي نبتتي الذابلة حزنا على فراقي.

  رد مع اقتباس