عرض مشاركة واحدة
قديم 13 / 08 / 2002, 37 : 06 AM   #1
طالب العلم 
وئامي مجتهد

 


+ رقم العضوية » 2221
+ تاريخ التسجيل » 07 / 03 / 2002

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 167
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

طالب العلم غير متواجد حالياً

افتراضي الخشيــــــةُ مٍنَ اللـــــــــه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :

فان الخشية من الله جل وعلا سمة من سمات عباده الصالحين ، ومنزلة سلكها الانبياء والمرسلون والملائكة المقربون والصحابة التابعون . فهي دليل معرفة الله وتقديره حق قدره ، ودليل الإيمان الصادق والعبادة الخالصة .

قال تعالى عن المؤمنين : ((واقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في اهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم )) ( الطور:25-28).

فبين الله سبحانه وتعالى ان إشفاقهم وخشيتهم من الله في الدنيا كان سببا لنجاتهم من عذاب جهنم يوم القيامة.

أخي الكريم : ألم يأن لقلبك أن يخشع ولعينيك أن تدمع ، ولأذنك أن تسمع ، فان عذاب الله شديد , وان بطشه لعزيز, وان فزع يوم القيامة لمهول , قال تعالى : (( يا ايها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )) ( الحج: 1-2 ).

وقد وصف الله –جل وعلا – ملائكته بالخوف منة فقال :
(( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )) (النحل:5) .

فإذا كان الملائكة وهم الذين لايعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ترتعد فائضهم من مخافة الله سبحانة , فما بال الانسان الذي تحيل نفسة للمعاصي والزلات وتصر على الخطايا والسيئات يعمى فلا يخشى ويغفل فلا يذكر !!

وقد كان رسول الله صلى الله علية وسلم وهو الشافع المشفع وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ,كان علية الصلاة والسلام اشد الناس خوفا من الله جل وعلا . فعن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله علية وسلم قط مستجمعا ضاحكا , حتى ارى لهواته , إنما كان يبتسم , وكان إذا رأى غيما ريحا عرف ذلك في وجهه , فقلت : يا رسول الله : الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيه المطر , واراك اذا رايته عرفت الكراهه في وجهك !

فقال : يا عائشة : ( ما يؤمنني ان يكون فيه عذاب , قد عذب قوم بالريح , وقد راى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا رواه مسلم .

اخي الحبيب : فليكن رسول الله صلى الله علية وسلم لك اسوه . وليكن خوفك من الله رادعا عن اقتراف الآثام والسيئات داعيا إياك للمسارعة الى البر والخيرات .


لايحذر النفس إلا ذو مراقــبه &&& يمسي ويصبح في الدنيا على وجل
ما اقرب اموت من اهل الدنيا وما &&& احجى اللبيب بحسن القول والعمل


حقيقة الخشية

واعلم حفظك الله – ان الخشية من الله هي : تالم القلب واحتراقه وخوفه من الله بسبب توقع العذاب يوم القيامة . وإنما يخشى الله – جل وعلا – من طالع حقيقة نفسه وما انطوت عليه من النقائص والعيوب , ثم عرف قدر ربه وجلال وجهه وسلطانة وما يستحقة من الطاعة والعبادة والاجلال .

وكلما كانت معرفة العبد بالله اكمل كان له اخشى واخوف , لذلك فقد كان اخشى الناس لله ( جل وعلا ) رسول الله صلى الله علية وسلم , لانه كان اعرف الناس به واعلم بقدرة وجلالة . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( انا اعرفكم بالله واشدكم له خشيه ) .

اخي الكريم : تذكر ان خشية الله جل وعلا هي ثمرة ايمانك ويقينك , فكلما صفا ايمانك وعلا يقينك , ازداد خوفك من الله , وخشيتك له وفاض اثر ذلك على قلبك وظهر على جوارحك وصفاتك وافعالك , بالطاعة والخضوع والبكاء والخشوع .

والسر في ذلك ان الايمان بالله ( جل وعلا ) يحمل الانسان على تصديق الوعد والوعيد , وعلى اذكار القبور وظلماتها

ويوم القيامه واهوالها , وجهنم في زفراتها , فيعيش المؤمن بين الرجاء في الجنة والخوف من النار , ويرى نفسه مقصرا في حقوق الله مفرطا في الطاعة و العبادة فيغلب علية جانب الخشية والخوف , فلا تراة الا مستكينا خائفا يرجو رحمة الله ويخاف عذابه .

ويحك يا نفس احرصي*** على ارتياد المخلــص
وطاوعي واخلـــــصي *** واستمعي النصـح وع
واعتبري بمن مـــــــــضى *** من القرون وانقــــضى
واخشي فـــجـاءة القـــضا *** وحاذري أن تخــــــــــــــــــــــدعي
وانتهجي ســـــــبل الهدى*** واذكري وشـــــــــــــــــــك الردى
وان مثواك غـــــــــــــــــــدا *** في قــــــــــــــعر لحـــــــد بــلـــــقع


و كيف لا يخشى العبد ربه , وقد أمر الله ( جل وعلا ) عباده أن يخافوه ويرهبوه , وان يتقوا غضبه وعقابه , قال تعالى : ((و إياي فارهبون )) ( البقرة:40 ) . و قال تعالى : ((ويحذركم الله نفسه )) ( آل عمران :28). و قال تعالى : (( ولمن خاف مقام ربه جنتان )) ( الرحمن ) . وتاره يبين الله ( جل وعلا ) بعضا من أهوال يوم القيامة تخويفا وتذكيرا . قال تعالى : ((وكذلك اخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة ان اخذة اليم شديد * ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخرة الا لاجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس الا بإذنه فمنهم شقي وسعيد *فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق )) ( هود: 102 - 106) .

واعلم يا عبدالله أن حقيقة الخوف والخشية , هي اجتناب ما يوجب سخط الله وغضبة , وفعل أوامره وما أمر به من الطاعات والاجتهاد في اكتساب الحسنات والمسارعة الى الخيرات والفرار الى الله ( جل وعلى ) باللجوء اليه والتوكل عليه والاستعانة بة والتضرع اليه بالدعاء والذكر .

قال بعض السلف : من خاف ادلج .

وقال آخر : ليس الخائف من بكى , انما الخائف من ترك ما يقدر عليه .
فخشية الله هي ما أثمر ترك المعاصي والشهوات , واوجب النظر في خطر العاقبة , ومراقبة النفس ومحاسبتها ومجاهدتها في الله . وقد كان الصحابه اتقى الناس لله واخوفهم منه : فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ سورة الطور حتى بلغ (( ان عذاب ربك لواقع)) ( الطور:7) . فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعاوده . فأين نحن من خوف السلف ولا حوله ولاقوه إلا بالله .

مظاهر خشية الله

أخي الكريم : أن من خشي الله ( جل وعلا ) حق الخشية لابد ان تظهر علامات ذلك على حاله وجوارحه وافعاله . فلا تراه إلا خاشعا ضارعا مستكينا باكيا كلما تفكر في العذاب , وقافا عند حدود الله , سباقا إلى الطاعات فارا من المعاصي و السيئات .

ومن اهم مظاهر الخشية ما يلي :

1- تقوى الله في السر والعلن : فاصل التقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وقاية , ولا يكون ذلك إلا باستحضار عظمته والخوف منه ومن عقابه و اجتناب محارمه و نواهيه وفعل أوامره , والاجتهاد في العبادات والقربات. قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ( آل عمران :103) .

قال الحسن البصري : المتقون هم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم .

وقال عمر بن عبد العزيز : ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك , ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله , و اداء ما افترض الله . فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير الى خير .

وقال طارق بن حبيب : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله : ترجو ثواب الله , و تترك معصية الله عن نور من الله تخاف من الله .

فالتقوى , هي اصل الخشية والخوف , وهي زاد الخائفين من عذاب الله , الراجين لثوابه :

خل الذنوب كـــبيرها *** وصـــــغيرها فهو التـــــقى
واصنع كمـــاش فـــــــــوق ار *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحتــــــقرن صغـــــــــــــــــره *** ان الجبال من الحـــصى


وقد كان السلف رضوان الله عليهم اتقى الناس لله وكانوا يتواصون بها , فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال:أوصيك بتقوى الله ( عزل وجل ) التي لا يقبل غيرها ولا يرحم الا اهلها ولا يثيب الا عليها , فان الواعظين بها كثير , والعاملين به قليل , وجعلنا الله وإياك من المتقين .

فيا مفاز المتــقي *** وربح عبد قـــــــــــــــد وقي
سوء الحســـــــــــاب الموبق *** وهول يوم الفــــــــــــــــــزع
ويا خســــــــــــــارة من بغـى *** ومن تعــــــــــــــدى وطـغى
وشــــــــب نيران الوغــــــــى *** لمطعــــــــــــــــــم ومطـمــــع


2- الزهد في الدنيا والاقبال على الاخرة : فان مآل الدنيا الى زوال , وانها كطيف خيال , قال تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }.

والخشية من الله من اقوى الاسباب التي تجنب المرء الحرص على الدنيا ,لان الخوف من الله يورث في القلب الفزع من العقاب والعذاب ولا يكون ذلك الا لمن كان زاهدا في الدنيا مقبلا علىالاخرة . قال سفيان الثوري : الزهد في الدنيا قصر الامل , وليس بأكل الغليظ , ولا بلبس العباءة , قال : وكان من دعائهم : اللهم زهدنا في الدنيا , ووسع علينا منها , ولا تردها عنا فترغبنا فيها .

وقال أبو مسلم الخولاني : ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال , إنما الزهادة أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يديك , وان تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء , وان يكون مادحك وذامك في الحق سواء .

3- محاسبة النفس :

واعلم آخي الكريم : ان محاسبة النفس من اهم علامات الخوف من الله , قال تعالى : (( يا ايها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون )) ( الحشر:18)

فان من حاسب نفسه ادرك خطاة ومن أدرك خطاة واجبره بالتوبة والاستغفار والإكثار من الخير فقد وفق لخير كثير , ونجى من عذاب الله سبحانه . فعن ابن مسعود رضي الله عنة قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم : { لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن خمس : عن عمرة فيما افناة وعن شبابة فيما ابلاة , ومالة من اين اكتسبة وفيما انفقة , وماذا عمل فيما علم } } ( رواة ترمذي(2416) وحسنة الألباني رحمة الله في صحيح الجامع 7299 ).

قال الحسن: لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه : ماذا أردت تعملين ؟ وماذا أردت تأكلين ؟ وماذا أردت تشربين ؟ والفاجر يمضي لا يحاسب نفسه .

وقال أيضا : أن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه , وكانت المحاسبة همته .

4- البكاء من خشية الله :

أخي الكريم : إن القلب إذا خالطته نسمه حب الله ( جل وعلا ) , ومازجتة خشيته وخوفة , كان رفيقا رقيقا خاشعا مستكينا لا تمر علية آية رحمه او عذاب الا اثرت فيه اثرا بليغا فلا ترى صاحبة الا هطال الدمع شوقا وحزنا , ورغبة فيما عند الله ورهبة من عقابه . قال تعالى عن المؤمنين : (( ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ))(الإسراء109) .

وقال تعالى : (( افمن هذا الحديث تعجبون* وتضحكون ولا تبكون ))  ( النجم :59 - 60) .

وعن انس رضي الله عنة قال : " خطب رسول الله صلى الله علية وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط , فقال : لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا , ولبكيتم كثيرا " قال : فغطى اصحاب رسول الله : " وجوههم , ولهم خنين " ( رواه البخاري ومسلم )

ولقد كان رسول الله صلى الله علية وسلم اشد الناس بكاء من خشية الله , فعن عبدالله بن الخير رضي الله عنة قال : "اتيت رسول الله صلى الله علية وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء " "( رواة أبو داود).

وكان محمد بن واسع يبكي عامة الليل لا يكاد يفتر .

  رد مع اقتباس