عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 12 / 2008, 06 : 07 PM   #1
الشامخة 
العضويه الفضيه

 


+ رقم العضوية » 35041
+ تاريخ التسجيل » 17 / 03 / 2008

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 824
+ معَدل التقييمْ » 255
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

الشامخة غير متواجد حالياً

افتراضي ]تعالوا إلى الغنيمة الباردة ....[[

[color=00008B]تعالوا إلى الغنيمة الباردة
عبد الرحمن سعد **- 10/01/2004



أقبل فصل الشتاء ببرده ومطره، وطول ليله وقصر نهاره، مما يجعل المرء يتساءل: كيف يكون اجتهاده في عبادة ربه خلاله؟ وهل هناك سمات خاصة لهذا الفصل تجعل العبادة فيه ذات شكل مختلف عن غيره من الفصول؟ وبمعنى آخر: هل يمكن للمسلم استثمار أيام الشتاء ولياليه في جني مزيد من الثواب والأجر، وتحقيق مزيد من القربى من الله تعالى؟

إن المسلم الحق يحرص على استثمار كل وحدة زمنية من وقته، ويوظف كل ذرة من عمره وأنفاسه في طاعة ربه.. كما أنه لا يترك فرصة سانحة أمامه لتحصيل مثوبة من الله تعالى إلا واغتنمها، ولا يترك بابًا من الأبواب الموصلة إلى نعيم الآخرة إلا ويلج من خلاله.

والواقع أن في فصل الشتاء ما يعين على ذلك خير إعانة، ويساعد على ذلك خير مساعدة.. وهذا ما تحاول أن تجيب عنه السطور التالية.

كله خير

ليس من المبالغة أن يُقال إن فصل الشتاء كله خير.. ويكفي أن برده وصقيعه يذكران بزمهرير جهنم، بل إن طينه وترابه الذي يذوب ويرخو بفعل مياه الأمطار المنهمرة فيه لمما يوجه دعوة إلى ذلك الكائن الضعيف المخلوق من هذا الطين (الإنسان) بأن يرق قلبه، وتلين جوارحه لذكر ربه. قال تعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". [الحديد:16].

ربيع المؤمن.. والغنيمة الباردة

خرّج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشتاء ربيع المؤمن" (رواه أحمد (3/75) بإسناد ضعيف). وخرجه البيهقي، وزاد فيه: "طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه". (رواه البيهقي في "سننه الكبرى" (4/ 297) بإسناد ضعيف).

فلماذا كان الشتاء "ربيع المؤمن"؟

الواقع أن ذلك؛ لأنه فصل: "يرتع فيه المؤمن في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، كما ترتع البهائم في مرعى الربيع، فتسمن، وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء، بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كُلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام". (1)

وصف ثانٍ جاء للشتاء في الأحاديث النبوية، هو ما ورد في "المسند" والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة". رواه أحمد (4/335)، والترمذي (797)، وقال: حديث مُرسل فعامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وأورده الألباني من طرق أخرى، وحسنه في "السلسلة الصحيحة" (1922).

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: "لماذا فُضل قيام ليل الشتاء بالذات؟

والجواب: "لأنه يشق على النفوس من وجهين: الأول: من جهة تألم النفس بالقيام من الفراش في شدة البرد.

والآخر: بما يحصل من إسباغ الوضوء في شدة هذا البرد، وهو من أفضل الأعمال.. من التألم"(2).

حال الصحابة مع الشتاء

كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يحبون الشتاء حبًّا شديدًا، كعادتهم في حب أي شيء يؤدي إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، أو يكون سببًا في تحصيلها، وليس أعظم من الشتاء في ذلك؛ إذ كانوا -التزامًا بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم- يكثرون من قيام ليله، وصيام نهاره، وإسباغ الماء البارد على المكاره من أعضاء أجسادهم، لا سيما في الليالي الشاتية، علاوة على عبادة اجتماعية كانوا يلجئون إليها في هذا الفصل، هي التصدق بفضول ملابسهم، على الفقراء والمساكين، إعانة لهم على توقي برده الشديد، وحفظ أبدانهم من مضاره.

رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مرحبًا بالشتاء.. تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".

بل كان الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يرون أن صيام نهار الصيف يعدل قيام ليل الشتاء في الأجر والثواب؛ ولعل هذا أحد أسباب بكاء معاذ رضي الله تعالى عنه عند موته؛ إذ قال: "إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر".

وعن الحسن قال: "نِعْم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".

وعن عُبيد بن عُمير أنه كان إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن: طال ليلكم لقراءتكم فاقرءوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".

فرصة لقيام الليل




أما قيام ليل الشتاء فلطوله، إذ يمكن أن تأخذ النفس في ليله حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة، فيقرأ المصلي ورده كله من القرآن، وقد أخذت نفسه حظها من النوم، فيجتمع له نومه المُحتاج إليه مع إدراك ورده من القرآن الكريم، فيكمل له مصلحة دينه، وراحة بدنه.

وفي فضل قيام الليل، وضرورة اتصاف المؤمنين به، قال الله سبحانه: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ" [السجدة: 16].. وهذا الفعل (التجافي عن المضاجع) يضاعف من الثواب عليه أن تكون المشقة فيه أشد، وهو شدة البرد، لا سيما أن النفس تميل عند ذلك إلى استطابة الرقاد في الفراش، والالتذاذ بدفئه، وعدم التجافي عنه.

الله سبحانه وتعالى قال أيضًا -في وصف عباده المؤمنين-: "كَانُوا قَلِيلاً مِّن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ". [الذاريات: 17]. وقلة "الهجع" -خصوصًا- بهدف إحياء ليالي الشتاء، هي مما لا يقدر عليه كثير من الناس في هذا الزمان، وواقعهم يدل على ذلك أبلغ الدلالة.

في السياق نفسه، رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل في كثير من أحاديثه، وتوجيهاته لأمته.. ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". [رواه مسلم].

ومشجع على الصيام

أما صيام نهار الشتاء، فيصفه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فيقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة"؟ قالوا: بلى، فقال: الصيام في الشتاء"، ومعنى كونه "غنيمة باردة"، أنها غنيمة تحصل بغير قتال، ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوًا وصفوًا بغير كُلفة.

فعلينا -إذن- والأمر هكذا أن نكثر من الصيام في فصل الشتاء، لا سيما الأيام الثلاثة البيض (الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر -على القول الراجح- من أواسط كل شهر هجري).

وكذلك صيام يومي الإثنين والخميس، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الإثنين والخميس. [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضًا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - في فضل صيام الإثنين والخميس كذلك-: "تعُرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعُرض عملي وأنا صائم". [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].

من خصال الإيمان

اعتبر عمر -رضي الله تعالى عنه- إسباغ الوضوء على المكاره في شدة البرد من أعلى خصال الإيمان، فقد روى ابن سعد بإسناده عنه -رضي الله عنه- أنه وصى ابنه عند موته فقال له: "أي بني: عليك بخصال الإيمان". قال: وما هي؟ قال: "الصوم في شدة الحر أيام الصيف، وقتل الأعداء بالسيف، والصبر على المصيبة، وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي، وتعجيل الصلاة في يوم الغيم، وترك ردغة الخبال". قال: وما ردغة الخبال؟ قال: "شرب الخمر".

وفي فضل إسباغ الوضوء على المكاره، ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط". رواه مسلم، (3/143-144- نووي).

هذا على وجه العموم والإجمال فكيف يكون الأمر من محو الخطايا ورفع الدرجات إذا كان إسباغ الوضوء على المكاره -الوارد الترغيب فيه بالحديث- يترافق مع البرد الشديد؟

وفي الحديث -أيضًا- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت خليلي يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". [رواه مسلم].

لا تنسَ الفقراء

لا شك أن إيثار الفقراء في الشتاء بما يدفع عنهم غائلة البرد خلال ذلك الفصل له فضل عظيم، وأجر كبير.. فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله". [متفق عليه].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". [متفق عليه].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نفّس عن مسلم (أي: فرج عنه) كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة (الكربة: ما أهم النفس وأغم القلب)، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة". (متفق عليه).

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "يُحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، فمن كسا لله عز وجل كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقا لله سقاه الله، ومن عفا لله عفا الله عنه". رواه ابن أبي الدنيا في "كتاب الأهوال" (ص/ 232).
[/color]

  رد مع اقتباس