عرض مشاركة واحدة
قديم 09 / 08 / 2009, 29 : 07 AM   #52
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,652
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 264
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

/

مذكرات مغتربة في الأفلاج (25)
عندما حاول أبي قتلـــي

قلت لم أتوقع شيئا ستجدني طوع أمرك ..
قال الخنوع ليس رداؤك ياشيخة أنا أعرفك أكثر من نفسك ، هذه طاعة يا أبي وليست خنوعا ، قال لي : إذا لن تعودي للأفلاج .. يكفي كل ما حصل. قلت لكن يا أبي أنا تعبت ...... رفع يده فسكتّ ولم أكمل ، قال ألم أقل لك أنه ليس رداؤك ... اسمعي .. أن كنت مقتنعة بأمر العودة فلن أقف في طريقك ولا أمر لأخيك عليك في وجودي.
أعطاني أبي رخصة العودة بعد أن عرف كل ما حدث إلا أنني لم أكن سعيدة برد أبي لأنني وجدت في ملامحه تجهما وغضبا دفينا وأمورا أخرى كثيرة عجزت عن ترجمتها ، نعم أبي ليس راضياً عما قال لكنه يرى مالا أراه . قلت لأبي : أنا أصلا عندي فكرة تراودني منذ مدة ، وقد تروق لكما أنت وأمي . نظر لي ولم يسأل .... تابعت لماذا لاتأتيان معي إلى الأفلاج .. سنقيم معا هناك حتى يفرجها الله ، لم يعقب أبي فتداركت هربا من هذا الصمت المطبق الذي يحاصرني أبي به كيف لم نفكر في هذا الأمر من قبل ؟؟
قال أبي بعد أن وضع عينيه في عيني .. إن كنت يا ابنتي قد احتملت غيابي أنا وأمك وأخوك طيلة سنوات فأنا لا أحتمل غياب جاري المُقعد الذي أجالسه سويعات مابعد العصر أمام باب المنزل، وإن كنت تركت البيت الذي نشأت فيه وتربيتِ فانا لا أترك الأسطوانة الإسمنتية التي أسند ظهري إليها في المسجد. إلى هنا ولم أعد أسمع أي شيء مما يدور حولي .. ضجت كل حواسي، صرخت بداخلي ألف لا حطمتني، قتلتني .. هل هذا هو ظنك بي يا أبي؟؟
لست عاقة جاحدة يا أبي ولست قاسية .. أنا قوية فقط أو هذا ما حاولت أن أكون عليه.
إذا فهنيئا لك هذا النجاح يا ابنتي أنت لست قوية فقط بل قوية جدا .. بل أقوى وأقسى من الحجارة. صرخت يكفي همزا يا أبي أعرف ماذا تقصد . لكني لست كما تظن.
كنت أتحدث كمن يهذي كنت أشعر بدموعي تتساقط على قميصي ، هذه أول مرة يتحدث فيها أبي معي بصراحة ووضوح . تكلمت أمي ( لم أشعر بدخولها علينا ) قالت ( لاتزعلين من أبوك ياشيخة لكن حتى أنا راهـنت عليك وخسرت ) التفتّ إلى أمي، خيّمت الدهشة فوق رأسي كسحابة بركانية كبيرة شعرت وكأنني لوحدي أغرق في ظلام سرمدي.. حتى أنت يا أمي ؟؟؟ نعم يا ابنتي، في البداية كان والدك قلقا متوترا لا يرغب في ذهابك إلى هناك قلت له دعها تجرب، لن تستمر ستعود إلينا سريعا أراهن على ذلك، شيخة لا تستطيع الابتعاد عني أبدا، أعرفها جيدا، هل تذكرين ؟ عندما أخرج لزيارة خالتك تتصلين بي بعد نصف ساعة كالأطفال .. عودي يا أمي جوعانة، لأنك لا تأكلين بدوني.
يومي الخميس والجمعة تجبريني على مزاولة الرياضة التي أكرهها معك وإذا تظاهرت بالنوم هددتيني مازحة ( بتقوم ياقمر ولا ودك تتروش بموية باردة ) كنا صديقات، لم أشعر بالوحدة أبدا بوجودك ياشيخة حتى بعد زواج أختك وسفرها مع زوجها ، كنت كل شيء في حياتنا أنا وأبوك ، ورحلت فجأة فكنا بعدك ولا شيء . انهرت أمام كلمات أمي الحنونة ونبرتها المشبعة بالحزن . سقطت على يديها أقبلهما لم أتركُّما يا أمي ولم أتخل عنكما كما قال أبي. لكني أردت أن تفخرا بي أن أكون شيئا مهما ، أن أكون ناجحة . أن أرد لكما بعض العناء الذي تكبدتماه في تربيتي ، أن أحقق لنا مستقبلا أفضل . تدخل أبي ؟؟ وهل حققت كل ذلك ؟ رفعت رأسي ، واجهته بشجاعة فلم يعد هناك ما أخفيه ، بكل صراحة ليس بعد ، حتى الآن لم أحقق شيئا وأعرف أنك تريد أن تقول أنني خسرت . لكن ليست مشكلة.
ألست أنت من علمني أن الحياة تحتاج إلى الصبر؟ وأنه لا مكان للضعفاء.
لاتلمني على قوتي يا أبي، أنت من أورثني إياها ، لازلت أتذكر حواركما أنت وعمي قبل سنوات عندما كان يقول لك محتقرا البنات ( البنت مثل الطير تحب الطيران وما ترضى بالحبس بس أنت قصص جنحانها واتركها ، فقلت له أنت إن تركتها وجنحانها مقصصة صارت صيدة سهلة لكن علمها الطيران ودربها وأطلقها). أنا ذلك الطير يا أبي الذي أتقن التحليق على يديك وأعجبه المنظر من الأعلى فلا تطلب منه بعد ذلك أن يحلق قريبا من الأرض. لا تقتله كما تحاول الآن قتلي. ثم غادرت إلى غرفتي وتركتهما صامتين.






مذكرات مغتربة في الأفلاج (26)
الفصل حسب النظام

انتهت الإجازة.. ورغم المشاكل التي افتعلها أخي مع والدي بسببي إلا أنني بدأت الاستعداد للمغادرة إلى الأفلاج من جديد، وليلى كذلك تستعد لترك زوجها والمغادرة معي إلى هناك.. رحلتنا الأولى بعد عام دراسي مكلل بالفشل مميزة جدا حيث حصدنا خيبتنا في هذه الإجازة بعدم نقلنا، خاصة أن بعض الزميلات بدأت تظهر أسماؤهن مع المنقولات على استحياء واحدة من هنا وأخرى من هناك ومنهن من ودّت لو أعادوها إلى الأفلاج خير لها من الهجر النائية التي تم نقلهن إليها بحجة أنها في الشرقية. فيصبحن كمن صام أربع سنوات ليفطر على بصلة في آخر المطاف، وقد يرددن بيت الشعر القائل:
رب يوم بكيت منه فلما *** صرت في غيره بكيت عليه

لم نحفل كثيرا بالترسيم والتخلص من البند الظالم فلم يكن البند في ذاك الوقت أكبر همومنا وخاصة أنه لا تغيير إيجابياً يذكر على أرض الواقع بعد هذا الترسيم فكله بالنسبة لمعاناتنا حبر على ورق، كما ظهرت بعض المحاولات التجريبية الفاشلة والمجحفة بحق بعض المعلمات من قبل وزارة التربية والتعليم كنظام لمّ الشمل والذي فيه تمييز واضح وغير مقبول بين منسوبي ومنسوبات التعليم وغيرهم، بدأت المعلمات المتزوجات يتمازحن بفكرة طلب الطلاق من أزواجهن كون الطلاق أحد مسوغات النقل ومنهن من تفكر من باب السخرية في التخلص من زوجها فالأرملة كذلك ممن يحق لهن النقل استثناء ولعل في هذا ما يبين الحال التي وصلت إليها المعلمات من العجز وقلة الحيلة، فلا امتيازات عدم الغياب والانتظام وانخفاض رصيد الإجازات شفعت لنا في استعجال النقل إنما هو (خبط عشواء) هذا لو أحسنا الظن بالتربية والتعليم.
بعد مباشرتنا للعمل ببضعة أيام كنت أتنقل بين الفصول لإخبار الطالبات حسب توجيهات المديرة بانعقاد مجلس للأمهات بعد غد حين استوقفتني إحدى المعلمات المغتربات معنا في نفس المدرسة وانزوت بي عند باب الفصل بعيدا عن أسماع ونظرات الطالبات، قالت هامسة (شفتي التعميم؟ سألتها أي تعميم؟ قالت يوه ما دريتي الدنيا مقلوبة، قلت وش صاير قولي، قالت فاصلين معلمة مغتربة بسبب غيابها بشكل متواصل، والله ونفذوا تهديداتهم. قلت: حرام، الكل يغيب هنا ولم يفصل لماذا هذه المعلمة؟ يبدو أنها من المغضوب عليهن).
سألتها لماذا لم تفصل فلانة وفلانة وفلانة؟ قالت اسأليهن! كل منهن غائبة ما يوازي الشهر. قالت المشكلة يا شيخة، أنه من الواضح جدا أن سبب الفصل هو الحقد والثأر والانتقام، قلت كيف؟ قالت عمموا اسم المسكينة ومدرستها على كل مدارس المحافظة بشكل غير مسبوق بشهادة معلمات المنطقة أنفسهم.
أحسست بالتعاطف مع المعلمة المفصولة، سألتها ما اسمها؟ قالت زهرة بس نسيت باقي الاسم، قلت لها سأقرأ التعميم لاحقا وانصرفت لإكمال عملي، ولم يخطر ببالي أن تكون زهرة صديقتنا هي المعنية بالأمر. لم أصدق ما قرأت قلت هي في إجازة أنا أعرفها إنها صديقتي غيابها من أجل ابنها المريض، إنه يجري عملية حرجة في حلقه للمرة الثالثة بعد فشل عمليتين سابقتين.دهشن جميعهن، لكننا لم نعرف تفاصيل ما حدث.
أخذت هاتفي المحمول واتصلت بزهرة.. ردت مباشرة سلمت لكن لم أعرف كيف أخفف من وطأة خبر كهذا.. قلت لها صدر قرار بفصلك يا زهرة وعمم على كل مدارس محافظة الأفلاج.. هكذا وبدون مقدمات، لم تصدق زهرة بالطبع ما قلته لها وقد تكون اعتقدت أنني أمازحها، سألتني من قال هذا الكلام؟ قلت لها لم يقله أحد بل قرأته أنا بنفسي قرار نقلك صدر في تعميم وقد وجهت صورة منه لكل مدارس المحافظة، جن جنونها.. قالت كيف أفصل ولم أبلّغ برفض إجازتي الاستثنائية؟ كيف أفصل ولم أُنذر بالفصل.. ولا مرة واحدة. ثم لو كنت راغبة بترك وظيفتي؟ هل أتحمل الغربة ثلاث سنوات ونصف؟ قلت لا أعلم.. لكن هذا الكلام لا يجدي نفعا الآن، أحببت إبلاغك بالأمر لتتحركي فورا.
كل المغتربات بالأفلاج شعرن بالأسى والحزن من أجل زهرة وتعاطفن معها، حادثت المديرة وسألتها لما لم تبلغيني برفض الإجازة؟ قالت هاتفك لا يرد، قالت حتى لو كان كلامك هذا صحيحا فزميلاتي المغتربات في المدرسة يعرفن بيتي جيدا، وسألتهن جميعا، قالوا إنك لم تطلبي منهن إبلاغي بشيء، كانت أعذار مديرتها واهية ولا فائدة منها، تقدمت زهرة بشكوى لإدارة التربية والتعليم بمحافظة الأفلاج ولوزارة التربية والتعليم بالرياض وأرفقت فيها ما يثبت حالة ابنها الصحية من عدة مستشفيات خارج وداخل المملكة وصورة طلب الإجازة وغيرها من الأوراق التي تخدم موقفها. وبعد عدة أشهر من تنقل المعاملة من موظف إلى آخر جاءها الرد:
اتضح لدينا سلامة الإجراءات التي اتخذت بقرار طي قيدك، وبناء على ذلك ففصلك جاء حسب النظام.. (ولتذهب أمومتكِ إلى الجحيم).

/

  رد مع اقتباس