عرض مشاركة واحدة
قديم 04 / 01 / 2011, 04 : 11 AM   #1
العبد العزيز 
وئامي دائم

 


+ رقم العضوية » 47869
+ تاريخ التسجيل » 15 / 02 / 2010

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 88
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

العبد العزيز غير متواجد حالياً

افتراضي سفود النار."قصة قصيرة".

ذو شخصية مغتربة وغريبة،غير أن الإسلام عنده لايقوم على خمس،ويؤمن إيماناً عجائزياً بأن الكلمات مخلوق صعب المراس،ففي ذات صباح منعش برزت فيه الشمس فجأة، أستيقظ بوعبدو بائع الشاورما الشهير على صوت جلبة الشارع..
نهض..
فرك عينيه..
فزّ من سريره..
نظر إلى المرآة..
راقب إصفرار إسنانه..مسّج خدوده العجرمية..ثم مسح على صلعته ..وتبسّم قائلاً:
- للصلعة ميزة ماتعة..فهي تريح من عناء التمشيط.
شرَّع أبواب المحل الذي يتخذه بيتاً وملاذاً آمناً..أرتدى قميصه الأبيض..تخصّر بحزام الجلد...شدّه إلى وسطه...شحذ سكاكينه ..أتجه صوبها وهو يضحك بمليء شدقيه ومن أعماقه فيما هي تستعد لذرف دموع الفقد،وبهيئة جمالية رائعة،وبآبهة خلّابة التحفت ام رواش ثوب الكفن الأبيض إستعداداً لموت بطيء وحارق،وعلى طريقة الهندوس أشعل بوعبدو فتيل النار في جسدها الغضّ ليحرق وجهها الطفولي الباسم كما فعل نيرون لروما تماماً.
لا مفر إذناً..ولا وقت للمراوغة.. ولاشيء يجبر أم رواش على الدوران الا الدوران نفسه،فالسكين من وفوقها والنار من أمامها ولاشيء يحمي ظهرها وأن سُفنها ستُحرق لامحالة،وأدركت المكلومة أن بياضها المصقول وطولها الفارع سيحرق بعد برهة من جرا سفود النار،غير أنها حافظت على رباطة جأشها إلى أخر لحظة، فكانت منتصبة الهامة،شامخة القامة،ماتعة ببياض ناصع كدنف الصوف،ومُتمتِعةٌ في تلك اللحظة بخصر ميّاس،وقوام فاخر،وجبين مرمري منحوث،وأمتلاء باذخ عن أخره كراقصة بالية في فرقة روسية،ولم تنقدها اللغة هذه المرة من أتون الخرس،فيما لا يجيد بوعبدو لغة غير لغة الحرق بالنار.
في البداية أختبر صبرها فمرر السكين بمحاذاة عنقها..بلعت ريقها وعضّت على النواجذ..فرأها صابرة محتسبة..الا أن دمعة حزن سقطت من خديها الأسيليّن.
الخدان الأسيلان والشفّة الليماء أخذن في الأحمرار بشكل لافت وسريع،فلقد أقتربت الرؤوم من النضج وبدأت تسكب دموع الوجع.
أستدرّت دموعها المنهمرة عواطف رفيق دربها في سنوات الجوع،والذي اتخذ ركناً قصياً بالمحل فتدخل مواسياً:
-يا ام رواش..من يرى مصائب غيره تهون عليه مصائبه..أنظري إليَّ..أعتصر ألماً ممزوجاً بسلخ وسلح،وأُصْلب على إسياخ من حديد،وأُجردّ من كل شيء..أَكتوي بالجمر المتقد،وأعيش في فارغ حاد،ولا أعلم أي الأفواه سأكون من نصيبها.
وتابع بحسرة حارقة:
- على الأقل أنتِ أفضل مِنّي...فأنا ونكاية في تعذيبي تخلط بجسدي الطري مواد حارقة وحرِّيفة،ويرش الملح الأجاج على جروحي نكاية في إيلامي وإمعاناً في عذابي..منهم لله بس.
تدخلت في الحوار الجنائزي صديقة ام رواش الحميمة وجارتها على نعوش التخمة،وأقتحمت الحديث دونما أستئذان،وأسترسلت قائلة:
- النار تعيش لذاتها يا ام رواش،إنَّها تلتهم لتتغذى،هذه كل المسألة ولكن أقول لكم لاتجهدوا أنفسكم فالمبدأ الراسخ أن الله أكثر عدلاً مِنّا ومنهم،وأرى أن العملية في مجملها قسمة ونصيب،وتوزيعاً لأدوار الحياة كيفما أتفق وفق نظام ألهي بديع.
شَرَعَ بوعبدو في مراقبة الحوار خلسة مشدوهاً ببلاهة فائقة،فألتمعت أمام عينيه صور لاتُصدق..
هَدّهُ النقاش البليغ ..
آسره الكلام العذب ..
أرتبك بإندهاش فظيع..
حكّ جلده..
هرش أرنبة أنفه..
شاح بوجهه بعيداً بعدما غرز سكينه في جسد ام رواش وخرج مُسرعاً يحثّ التراب فوق رأسه..صارخاً مولولاً:
- ام رواش ياناس..ام رواش تتكلم عربي وبلسان فصيح..ام رواش حفيصة ياهووووووه...وووووووواك..ووووووووووك...ويييييييييي ك...
لقد بُحّ قلبه،وتلعثمت الكلمات في حنجرته فيما جذب صراخه إنتباه بائع الفول الذي همّ واقفاً مُتخذاً من عربته الخشبية منصة خطابة،وخاطب الجمهور المتحلق حول جثة بوعبدو المغمى عليها امام محله وبصوت جهوري قال:
- أيها الجمع الكريم بو عبدو جُنّ...في الحقيقة بوعبدو فقد عقله..أيعقل أن تتكلم ام رواش وهي التي تتسربل طوال الوقت بدموع واكفة..!!؟ هل نصدق أن رفيق دربها الممتد والميت سريرياً يمكن ان يكون عطوفاً مواسياً..!!؟دعكم الأن من حشرية جارتها وماقالته من مزايدة مفضوحة، فهي بعيدة كل البعد عن دائرة الحرق،غير إنني والحق يقال قادر وبطريقة ما على أن أجعل صحن الفول يتكلم عربي وبمنطق بليغ.
تسمّر الجمع في مكانه،فيما علت وجوههم الصفراء من هول ماسمعوه من الفوّال،فخرق صمت الشارع المصدوم هدير محرك سيارة أسعاف مشفى المجانين والتي حملت بوعبدو وجاره الفوّال إلى مشفى العصفورية لتستقبلهم الكاتبة ميّ زيادة بترحيب بالغ في المكان أياه..ميّ التي تقضي بقية حياتها هناك بعدما أحترقت هي الأخرى من سفود نار الأهل وخيانة الأحبة.

بقلمي/العبدالعزيز.

  رد مع اقتباس