عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 07 / 2009, 45 : 06 AM   #15
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,653
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 264
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...


مذكرات مغتربة في الأفلاج ( 15 )
فكرة مجنونة


بين الحين والآخر أعود إلى دفتر مذكراتي.. أقرأ ما كتبته وأدون بعض الأحداث الجديدة.. يا إلهي.. لا أكاد أصدق أن كل هذا يحدث لنا، لو لم أغترب ولم أعش وضعا صعبا كهذا الذي نحن فيه لأقسمت أن هذه اليوميات لكاتب بارع ذي خيال أدبي خصب، لأنها بالفعل تقترب جدا من الخيال وتكاد تتمرد على الواقع.. لكنه وللأسف الشديد ليس خيالا إنه واقع صعب مؤلم، واقع شكلته الغربة ورسمته الوحشة وكتب أحداثه تباين الناس واختلاف بيئاتهم وحاجاتهم ونفسياتهم فلا حول ولا قوة إلا بالله.
حتى وقت انتقالنا إلى بيت المعلمات هذا لم تكن الغربة قد أنشبت أظفارها فينا جيدا، فقد كنا لازلنا نستمتع ببعض الأنوثة لقد كان والدي ووالد ليلى يحملان عنا الحقائب والأغراض الثقيلة، لكن وبعد أن أتينا إلى هنا بات اعتمادنا على أنفسنا كاملا حيث نحمل حقائبنا وأمتعتنا بأنفسنا ودون مساعدة أحد، والمغتربات عادة يصنفهم المجتمع كرجال من ناحية القوة ويتم التعامل معهن على هذا الأساس فلا تجد أحدا من الرجال يعرض مساعدة كعادة السعوديين على مغتربة أبدا. ولا زلت أتذكر ما حدث ذات مرة من تعطل باص النقل الجماعي علينا في منتصف الرحلة حيث توقفنا على جانب الطريق المقطوع ننتظر مرور باص آخر ليحملنا وعندما جاء الباص اضطررنا لنقل أمتعتنا نحن المعلمات إلى الباص الآخر ولازلت أتذكر كم كانت ثقيلة فقد كنا عائدات بعد إجازة نصفية ونحمل معنا الكثير من أمتعتنا وملابسنا، ما جعلني انخرط في موجة حادة من البكاء بعد أن وصلنا إلى البيت ولم يستطع أحد إسكاتي قبل إفراغ زوادات القهر في ذلك اليوم. ومما زاد من معاناتنا هو أننا أصبحنا نسافر إلى الشرقية بشكل أسبوعي أو شبه أسبوعي بعد اعتماد الباص الخاص بنا حتى لا نبقى وحيدات فالجميع هنا يسافرون أسبوعيا. لكنني يجب أن اعترف أن من فوائد الغربة أنني أصبحت قوية نوعا ما، وسيئة الظن بالآخرين حتى يثبت العكس خاصة إذا كان هذا الآخر رجلا. كما أنني أجيد التصرف في أغلب المواقف التي تواجهني بعد أن كنت ممن يغرقون في شبر ماء.
على كل حال....
أصبح هذا البيت ( بيت المعلمات ) الذي اعتقدنا يوما ما أنه سيكون جنتنا في هذه الغربة المرة، جحيما لا يطاق، فلا ذنب لنا فيما يحدث وصارحنا أبو حسن برغبتنا في ترك المنزل وتغيير الكفيل إلى شخص آخر غيره متفرغ لنا لم تثقل كاهله مسؤولية زوجتين وأربعة أولاد. من حقنا أن نبحث عن الأفضل.
كنا قد بدأنا نعد العدة لترك المنزل والالتحاق بمعلمات أخريات بحثا عن الاستقرار خاصة وأن وضع الأفلاج بدأ في الانفتاح على الاغتراب شيئا فشيئا وأصبح الناس أكثر تفهما ووعيا ومرونة في التعاطي مع المغتربات وتكونت نظرة جديدة فيها الشيء الكثير من الاحترام للمعلمة المغتربة كونها تترك أهلها وأبناءها وتعيش وضعا أسريا صعبا لتقدم خدمة لبنات هذه المنطقة، خاصة وهم يلمسون مدى تفانينا فيما يوكل إلينا من أعمال وحرصنا على أن لا يؤثر وضعنا السيء على تحصيل طالباتنا العلمي. وكنا ذات ليلة مستلقيات في غرفة زهرة ونفكر بصوت مسموع فيما يمكن أن نقوم به لتعديل وضعنا المأساوي وكان النور الخافت محرضا على عمق التفكير.
فما زلنا نهذي أنا وليلى وزهرة ونبتكر الكثير من الطرق والأساليب للخروج من مأزقنا حتى قالت زهرة عندي فكرة مجنونة بعض الشيء وتنطلق من قاعدة (هي خاربة خاربة خلينا نعميها) وبعد أن ضحكنا قالت ليلى (أبشرك هي عميا خالصة بس مايمنع هاتي وش عندك قالت زهرة: بلا كفيل بلا بطيخ) جميعنا اعتدلنا في جلستنا وسألنا ماذا تقصدين؟ هنا بدأت بشرح فكرتها كقائد حربي يخطط للنصر. قالت ضحك علينا هذا الرجل وصدقناه.. كل ما يقوم به نستطيع نحن القيام به مع توفير ألف ريال من راتبنا. نظرت في أعيننا ولا زال السؤال (كيف) قائما. تابعت....
(إحنا في ديرة آل سعود الله يحفظهم ولا يغير علينا والدنيا أمان ونقدر نسكن لحالنا بس نشوف شقة تابعة لبيت يسكنه أصحابه مو بعمارة) وما عدا ذلك فهنا كل شيء بمكالمة هاتف يصلك إلى البيت من أول اسطوانة الغاز إلى المواد الغذائية.
راقت لنا الفكرة لكننا مازلنا متخوفات، قالت في مدرستنا معلمات يسكن لوحدهن منذ أول قدومهن (وما فيهن إلا العافية) وأنا سوف استعين بهن للحصول على كامل المعلومات التي تلزمنا لنعيش وضعا صعبا كهذا... بدورنا وضعنا الأمر على طاولة البحث والتمحيص والدراسة حتى وصلنا إلى نتيجة مفادها... توكلنا على الله.

  رد مع اقتباس