عرض مشاركة واحدة
قديم 21 / 12 / 2009, 10 : 11 PM   #1
غضا 
وئامي مميز

 


+ رقم العضوية » 44788
+ تاريخ التسجيل » 28 / 09 / 2009

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 362
+ معَدل التقييمْ » 12
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

غضا غير متواجد حالياً

افتراضي ليلة مع سيئات وحسنات "الماسنجر"




محمد بولوز
لم يكن "معاذ" يطمئن كثيرا إلى تعامل أبنائه مع برنامج "الماسنجر MSN" هذه الوسيلة العجيبة التي قربت المسافات بين بني البشر من كل حدب وصوب ، وجمعت صالحيهم وفاسديهم في غرف دردشة وحوار ، يتبادلون فيها المكتوب والمسموع والمرئي ، وعددا هائلا من الأشكال والرموز والصور،وكان ذلك منه خوفا عليهم من تضييع أوقاتهم فيما لا يفيد، أو السقوط في فخ بعض شياطين الإنس ، بجرهم إلى ما لا تحمد عقباه من دروب الشر والانحراف،غير أن ظرفا صحيا ألم بمعاذ اضطر معه إلى استعمال هذه الوسيلة المعلوماتية للتواصل مع زملائه في العمل ، قصد إنجاز بعض التزاماته،فأدخل عناوينهم وأضاف إليهم عناوين بعض أفراد عائلته وأقربائه،وبعض معارفه وأصدقائه.
وفي ليلة من الليالي فتح بريده في هذا البرنامج،وإذا به يفاجأ بصفحة جاءت عن طريق الخطأ من شاب يعرفه ممن يحسب من الصالحين لكونه حاملا لكتاب الله وعلى خلق طيب في ظاهر
أمره،ولم تكن تلك الصفحة سوى صفحة شخصية يتيحها البرنامج لزبنائه يعرف فيها نفسه وبلده وبعض هواياته وعلى هامشها لائحة لبعض من اختارهم من أصدقائه ، أو المفترض أن يكونوا كذلك،وقد كانت المفاجأة أن يكون على رأس أولئك عاهرة من الكيان الصهيوني الغاصب من مدينة يافا في وضعية شيطانية مخزية،وعلى صفحتها عناوين الضحايا ممن أسقطتهم في حبالها ، ممن يراسلونها من شتى بقاع الدنيا ،فكانت عناوين من أوروبا وأمريكا وأستراليا وحتى من مكة وكراتشي ومدن من بلادنا ..
أصاب "معاذ" الدوار والحزن الشديد حتى أحس بحرارة الدمع تنساب من عينيه على خديه،وهو يستغرب هذا الاختراق الرهيب لحصوننا وفي عقر دارنا ،وكيف وصلت الغواية إلى شباب مكة ، وإلى من معه القرآن بين جنبيه ، ويحسب على جيل الصحوة،فكيف بغيرهم من الشباب الذين ليس لهم بيئة تربوية وفكرية مناسبة ، أو أي لون من ألوان التلقيح ضد هذه الفيروسات الإبليسية ..؟
هدأ "معاذ" من أعصابه وحاول معالجة الأمر مع الشاب بالنصيحة والإقناع والاستيعاب حتى تلقى وعودا منه بالتوبة والإقلاع ، واستثمار هذه الوسيلة في الخير وما ينفع من أمور الدين والدنيا،ولم يسله تلك الليلة في أمر هذه المفاجأة سوى اتصال من أحد إخوانه من أمريكا على "الماسنجر" والذي قام أيضا بربط الاتصال مع عدد من أفراد العائلة المشتتة بين أوروبا وأمريكا وعدد من المدن المغربية ، وكانت جلسة عائلية رائعة كأنهم في بيت واحد ، تداولوا الحديث والسؤال عن الأحوال والمستجدات ، بما فيها التذكير بأمر الدين والآخرة،وقد فرح الجميع بهذه الوسيلة الميسرة في صلة الرحم ، وتفقد الأحوال ، وكانت الأم العجوز أشد فرحا لهذا "العجب العجاب" وكيف تجالس فلذات أكبادها وهم موزعون في أقطار الدنيا ، وتسمع صوتهم ، وترى صورهم وصور أبنائهم ، بل ولقطات من نواحي بيوتهم وأثاثهم.
والأجمل أن بعث معاذ مصحفا على "الوورد" إلى أخيه في أمريكا ، وطلب منه تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم،وتخلل ذلك تصحيح بعض ما ورد من أخطاء،وكان كلما سمعت عطسة من أحد الأفراد في أقاصي الأرض جاءه التشميت من الجهة الأخرى،وكلما صدرت نكتة بريئة من هنا قابلتها ضحكات من هناك ، وتذاكروا في هذه النعم التي أطال الله فيها أسماعهم حتى بلغ بهم أن يسمعوا مضغ أحدهم لبعض طعامه ، ويطالبه الآخر في القارة المقابلة مازحا بأن يبعث إليه فخذ دجاجة! ومد الله أبصارهم حتى دخلت دورا تبعد عنهم بآلاف الأميال، وتحسروا على من يوظف كل هذا وغيره في جلب غضب الله وعقابه عوض أن يكون وسيلة إلى الخير والدعوة وصلة الرحم .
وقال معاذ وهو يتنهد تنهدة عميقة : إن مربض الفرس في هذا كله هو نوع الإنسان الذي يباشر الوسائل مهما كان شأنها وتطورها،ولم يكن أبدا المشكل في هذه الأخيرة،وإنما هي في آخر المطاف إما تكون سببا لتكثير بني آدم للحسنات أو وسيلة لحصد جبال من الموبقات والسيئات،وإذا كان من جهد فليبذل في ملء قلب الإنسان بالإيمان واستحضار رقابة الله ورضوانه وسخطه وإيثار ما عنده، ولم يملك الجميع في الأخير قبل أن يودع بعضهم بعضا، إلا أن يرددوا قول ربهم: { سبحان الذي سخرَ لنا هذا وما كنا لَه مقرنين ، وإِنا إِلَى ربنا لَمنقلبون } .

  رد مع اقتباس