عرض مشاركة واحدة
قديم 28 / 07 / 2009, 09 : 07 AM   #26
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,661
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

مذكرات مغتربة في الأفلاج ( 17 ) إحساس لم يخطىء

غادرتنا دلال مع أخيها بعد فترة يسيرة وبقينا نحن في بحث دائم عن شقة مناسبة ومعنا أبو رعد لم يكل ولم يمل حتى وجدنا ضالتنا، شقة صغيرة وجديدة وفيها هاتف مستقل في الدور العلوي لأصحاب البيت الأصليين، انتقلنا أو لنقل هربنا من البيت الذي أصبح شيئا فشيئا بيئة طاردة مليئة بالمشاكل. حقيقة لم نشعر بفرق كبير، فكل شيء كما قالت زهرة يصلنا إلى البيت باتصال هاتفي، شعرنا بالاستقرار والراحة بشكل كبير، وفي أحد الأيام (الاثنين تحديدا) وبعد مكالمة هاتفية لزهرة مع أولادها كعادتها اليومية بعد عودتنا من المدرسة، ظهر عليها القلق والارتباك بدرجة كبيرة، هاتفت أحد السائقين وطلبت منه إيصالها إلى محطة النقل الجماعي، سألتها مابك؟ قالت قلبي يحدثني بوقوع مكروه لأحد أبنائي قلت لها هل هو مجرد إحساس فقط؟ قالت ابنتي تقول إن أخاها عاد من المدرسة مرهقا ونام وأنا أعرف ابني هذا جيدا، إنه ذو نشاط زائد ولا ينام عادة إلا إذا كان مريضا ثم حادثت ابنتي الصغرى فقالت إن أخي أصبح سمينا، في الواقع تسرب إلي شيء من القلق سألتها ووالدهم؟ قالت في وظيفته هو يعمل في الجبيل الصناعية وهم في الأحساء قلت: جدتهم، اطلبي منها أن تذهب لتطمئن عليهم. قالت والدتي شبه مشلولة ولا تستطيع الحركة وأرسلت لهم الخادمة التي عادت وأخبرتها أن أمورهم على مايرام.. قلنا لها إذاً الأمور طيبة ولله الحمد. لوحت بيدها متوترة (لالا لست مطمئنة، قلبي يحدثني بالشر).
لم أشعر أنا بالاطمئنان كذلك إلا أنني هدأت من روعها وساعدتها في إعداد حقيبتها وأنا أدعو لأولادها بالحفظ والسلامة بينما هي تستعد وتبكي بصوت مسموع.
جاء السائق في تمام الثانية. غادرت على عجل ولولا أن باصات النقل الجماعي تتأخر عن موعدها عادة لفاتتها الرحلة، فموعد مغادرتها الأصلي في الثانية والنصف. كنا في هذه الفترة بدأنا في اقتناء الجوالات على استحياء وذلك لغلاء ثمنها ولأنها لا تعمل في كل الأماكن لعدم وجود أبراج كافية، وكان أبي قد أهداني في آخر زيارة له هاتفا محمولا وشيئا آخر لن أخبركم ما هو الآن.. سيأتي الوقت المناسب لذلك. وزهرة لديها هاتف محمول كذلك حادثتها مرة واحدة في الطريق وطلبت منها أن تطمئننا على أولادها فور وصولها.
طال بي الانتظار فهاتفتها في الثانية عشرة مساء فلم تجب، نمت قلقة متوترة، وهاتفتها في اليوم الثاني ولم تجب كذلك وهاتفت منزلهم فأجابت ابنتها الصغرى قالت لي أمي في المستشفى مع أخي الصغير، سألتها مابه؟ قالت مدري. طلبت محادثة أختها التي تكبرها بعامين قالت إنها نائمة. أغلقت السماعة وقد زادت عندي حالة القلق. رن الهاتف في التاسعة مساء. كانت هذه زهرة ارتمينا ثلاثتنا على الهاتف فقد كانت زهرة الأخت الكبرى لنا.
حادثتها أنا. كان صوتها متعبا ونفسها متقطعا وشعرت بصوتها غارقاً في الألم مختنقاً بعبرتها. زهرة كيف حال ابنك؟ قالت نزيف داخلي ياشيخة وهو الآن في العناية المركزة.. كانت الشهقة التي أطلقتها أنا من أعماق الحسرة كافية لإعلام من حولي أن ابن زهرة ليس على مايرام. تمنينا له السلامة... لم أستحث عاطفة الأمومة الثائرة فيها ولم أسألها كيف؟ إلا أنها تدفقت كالبراكين حرارة وألما.
سقط ابني في المدرسة على رأسه ولم يعره أحد اهتماما. جاء إلى المنزل ونام. أرسلت له أمي مرارا من يستدعيه للغداء دون جدوى، لكن أختيه لاحظتا تورم وجهه وأنفه بشكل كبير.
وصلت للبيت في الحادية عشرة والنصف ليلا. ضربت الجرس وسمعوا صوتي عبر السماعة فتدافع أبنائي على الباب لأنهم لم يتوقعوا قدومي. أطل ابني الأصغر هذا برأسه فلم أعرفه يا شيخة
وجهه كان متورما، طمست كل ملامحه و تحول نصف وجهه إلى لون أزرق غامق، كانت أخته قد حادثت خالها، حملته وانطلقت به إلى الشارع لأطلب النجدة لابني من أي أحد من المارة، لكن أخي كان قد حضر فهرعت به إلى المستشفى وما أن وصلت حتى أخذه الأطباء من يدي وأدخلوه إلى غرفة الإنعاش وبدأت مكبرات الصوت تصدح لاستدعاء الأطباء المختصين، وبخني الطبيب، قال أين كنت عن ابنك منذ الساعات الأولى لإصابته؟ سكتت لثوان ثم تابعت.. الحمد لله هو الآن في تحسن دعواتكم له...
بحثت عن صوتي الضائع في حناجر الأسى فلم أجده، تمتمت بحشرجات تخنقها الدموع، نسأل الله أن يمن عليه بالشفاء ويلبسه لباس العافية ويقر عينك به، كوني قوية يازهرة، فالمؤمن عرضة للابتلاء.




مذكرات مغتربة في الأفلاج ( 18 )
نفيدكم أننا (لانستغني)


منذ ذلك اليوم الذي غادرت فيه زهرة لابنها، لم تعد للدوام بشكل كامل وإنما كانت تأتي يومين أو ثلاثة لتقطع إجازة أو لتقدم تقريرا طبيا.. ورغم تحسن حالة ابنها الأصغر ولله الحمد بعد أسبوعين على الأقل من إصابته، إلا أن ابنها الكبير كان يعاني من اعتلالات صحية وكانت بصدد إجراء سلسلة من العمليات له. لكنها تحتاج إجازة طويلة لمرافقته، في ذلك الوقت لا تمنح إجازة بدون راتب إلا بموافقة المديرة حيث توقّع على عدم المطالبة بالبديلة.. ولا أعرف حقيقة لماذا لا يتم توفير البديلة براتب المعلمة الذي يأخذونه، لم تستغن المديرة فلديهم نقص في عدد المعلمات، كنا نرقب زهرة وهي تقترب من الموت شيئا فشيئا، عرفنا كيف يمكن للمرء أن يموت حبا.. كانت تأتينا يومين أو ثلاثة وهي في قلق دائم على أبنائها وتغيب مثلها لترافق ابنها المريض هنا أو هناك لأخذ استشارة طبية أو علاج، حتى ساءت حالتها جدا فبدأت تنتابها حالات من الإغماء في البيت والمدرسة وبدت ناحلة شاحبة وكأنها من عالم الأشباح.
وفي كل مرة تقدم طلب إجازة مشفوعا بكل التقارير التي تثبت خطورة وضع ابنها لإدارة التربية والتعليم يتم توجيهه إلى المديرة لترد بدورها (نفيدكم أننا لا نستغني عن المعلمة المذكورة) لتبلغ المعلمة برفض الإجازة بدون وجه حق. قدمت زهرة إجازة للمرة العاشرة وشرحت فيها ظروف ابنها وأرفقت المزيد من التقارير وتوسلت إليهم وإلى المديرة أن ترحم ابنها.
رق قلب المديرة على ما يبدو فوعدت زهرة خيرا، سألتها هل ستوافقين.. ردت يصير خير إن شاء الله. أكدت عليها زهرة سأغادر إلى أبنائي قالت لها المديرة، في أمان الله.
حملت زهرة أمتعتها وغادرت إلى أبنائها تودعها دموعنا وصلواتنا ودعاؤنا لها ولأبنائها بالشفاء والسلامة. وعادت الوحشة والغربة تنشب أظفارها بنا من جديد في غياب زهرة ولا ندري كيف سنحتمل غيابها عنا سنة كاملة (مدة الإجازة الاستثنائية).....
حركات النقل الخارجي السنوية.. هي الأمل الذي نعيش عليه سنة بأكملها نستفّ تراب الغربة وينهشنا ألمها، حتى إذا أعلنت الأسماء تبددت كل الآمال وتلاشت كل الأمنيات، لنجدد العهد مع الطموح سنة أخرى ونستنبت أملا آخر بعد أن نفيق من صدمة الإحباط، بدأت عزائمنا تفتر مع تمدد السنوات وقوانا تتهالك وتضعف، بدأ إصرارنا بالاضمحلال فلم تبق السنوات الثلاث في صبرنا من بقية..لم أكن أؤمن بوجود الواسطة حتى جاءتنا معلمة جديدة قبل صدور حركة النقل الكبرى ببضعة أشهر وكان أول سؤال سألتنا إياه، متى تصدر حركة النقل ؟ ضحكنا جميعا قلت لها أنا هنا منذ ما يقارب ثلاث سنوات ولم أنقل، فبالتالي من المبكر جدا بالنسبة لك أن تسألي هذا السؤال، ردت بكل بجاحة أصلا أنا في حكم المنقولة، لكن (لابد من هالشكليات.. لازم أداوم كم يوم)، لم نكترث لما قالت ولم نعبأ به.. حتى صدرت حركة النقل وكان اسمها وأختها ضمن المنقولات وفي وقت واحد وإلى منطقة واحدة. ذهلنا جميعا أنا وليلى وكثير من المغتربات اللواتي أتين بعدنا، لكني شخصيا لم أشعر تجاهها بالحقد قلت لهن لو كان عندي واسطة تنقلني فلن أفكر بصراحة في معاناة من هم أحق مني بالنقل. سأكون أنانية. سمعت البعض يدعو عليها وعلى من سعى لها في هذا النقل على حسابنا نحن، ومنا من تقدمت بشكوى للرئاسة العامة لتعليم البنات إلا أنه تم تجاهلها.
ومنذ ذلك الحين بدأت عندنا حالة من الإهمال واللامبالاة ولا أبالغ إن قلت من التلاعب أيضا.وتأكدنا بعد زيادة التعاميم التي تستهدف المغتربات في حملة جائرة ضدنا، أن أصحاب الضمائر اليقظة ماتوا ولم يتبق غيرنا لذلك قررنا وأد ضمائرنا واللحاق بركب الآخرين.
كانت معنا الكثير من المعلمات اللواتي يتغيبن أسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر ثم يأتين مصطحبات معهن تقارير طبية كاذبة فيتم احتساب الإجازة (مرضية) ونحن المغضوب عليهن باسم الضمير، نغطي غياب فلانة وعلانة ونحمل فائض الحصص وندرس مناهج المتغيبات حتى بلغ نصاب الحصص لدينا 24 حصة وأحيانا تزيد باسم التعاون. حتى ضقنا ذرعا وأخذ الغبن والقهر منا كل مأخذ.

  رد مع اقتباس