لماذا يعتبر البكاء في مجتمعنا " عيب " ؟ لماذا عندما يبكي الطفل يزجرونه بقولهم : ( إسكت عيب .. البكاء للبنات بس ! ) .
سؤال يخطر ببالي دائما: لماذا الله سبحانه وتعالى خلق الغدد التي تفرز الدمع ؟ لا أعتقد أن هذه الغدد أنثويه فقط، وإلا لما وجدت بالرجال!!
سؤال آخر: عندما أتينا لهذه الحياة الدنيا وخرجنا من بطون أمهاتنا، هل البنات فقط بكين،
والأولاد خرجوا من بطون أمهاتهم صامتين؟
أليس وسط ضغوط الحياه وتعبها ونكدها لا نحتاج للتنفيس بالدمعة من وقت لآخر؟! ونعلم أن الدمعة هي التي تواسي الأحزان، وتنفس ضغط الحياة.
أتذكر قصيدة أثناء دراستنا بالمرحلة الثانوية لإبن الرومي - إن لم تخني الذاكرة - يرثي فيها أوسط صبيته وأحبهم إليه، إذ يقول مخاطباً عينيه:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي .. فجودا فقد أودى نظيركما عندي
توخى حمام الموت أوسط صبيتي .. فلله كيف أختار واسطة العقد
ألح عليه النزف حتى أحاله .. إلى صفرة الجادي من حمرة الورد
طواه الردى عني فأصبح مزاره .. قريب على بعد بعيد على قرب
ذات مره سألت صديقا يتميز بروح الدعابة : متى يبكي الرجل؟ قال مازحا: (لما يشوف فيلم هندي).
البكاء لا يكون دائما مصحوبا بالدموع أو النحيب، ولكن هناك بكاء صامت قد لا يلاحظه الآخرون، وهذا البكاء أثره بالنفس أعمق. وكثير من الرجال تعز عليهم دمعتهم، فلا تطاوعهم قلوبهم بذرفها، وكثيرا ما يتمنى البكاء ولكن لا يستطيع، وفي الشعر الشعبي يقول أحدهم:
مو كل من ضحك من الهم خالى .. ولا كل من بكى من الهم محزون
يقولون إن أجمل ابتسامة هي التي تشق طريقها وسط الدموع، ويقولون: أصعب أنواع البكاء هو البكاء من غير دموع، وهو نوع من أنواع الكبرياء.
أتذكر بكاء جورج بوش الأب (رئيس أميركا السابق)، وقد نزلت الدمعة من عينيه عندما علم بنبأ عدم نجاحه في انتخابات الرئاسة، وأمام عدسات التلفزيون. فهل هذا ينقص من قدره كونه رئيس أكبر وأقوى دولة ؟
البكاء يكون في المواقف التي تستحق البكاء، وليس في المواقف العادية، فنحن نرى الرياضيين يبكون أمام الكاميرات في حالة الفوز والخسارة، ولكن لا نتأثر كثيرا لأن هذا موقف عادي تنزل الدموع فيه من تأثير نشوة الفرح، أو مرارة الخسارة، وهذا ما حصل مع الرئيس الأمريكي.
قديماً كان يسير أحد الصالحين بالأندلس، فوجد فتىً صغيراً تبدو عليه علامات الفروسية والجلادة، لكنه كان يبكي بحرقة. فلما سأله الرجل: ماذا يبكيك يا غلام؟ قال له: ياعمي رميت عشرة أسهم، فأصبت تسعة، ولكني أخطأت العاشر! .. ثم أجهش في بكائه من جديد!
إذن متى يبكي الرجل ؟
** هل يبكي عند موت عزيز؟ أو عند فراق حبيب؟
** هل يبكي عند شعوره بالظلم؟
** هل يبكي عند مواجهته لمشكلة أو أمر ما يعجز عن حله؟
** وهل يبكي عندما يكون صاحب ضمير وقلب خاشع يبكي من خشية الله تعالى؟
** هل يبكي لشعوره بالندم؟
كثير من الرجال يعتبر أن البكاء عيب ونقص، وأيضا ضعف. أنا أختلف مع هؤلاء، ولعدة أسباب :
فلو عرفنا البكاء في بداية الأمر يمكننا أن نقول بأنه انفجار يحدث داخل بدن الإنسان بسبب بعض الضغوط أو المشاكل التي قد تواجهه، فيظهر ويخرج بشكل دموع، وإما أن يكبته داخله فيتحول إلى حسرات وآهات قد تؤدي في النهاية إلى دمار الصحة، وهلاكها، فلماذا لا تبكي أيها الرجل !!!
فلو عرفت فوائد البكاء لبكيت .. وبكيت .. وبكيت.
فالبكاء - أو بالأصح الدموع - تنظف العين وتطهرها من الأتربة والغبار، والأهم من ذلك أنها تنقي الفؤاد والأحاسيس والمشاعر من الحزن والغضب والحقد وغير ذلك من الآفات التي قد تصيب الانسان، ولقد ثبت علميا أن البكاء يخفف من ضغط الدم، وآلام القلب التي قد تؤدي إلى جلطة أو إلى الموت في بعض الأحيان.
لماذا لا تبكي؟! فربما بكيت أيها الرجل لحاجتك للعطف أو الحنان، أو لرغبتك في البكاء، أو ربما لتنفس عن كرب أو ضائقة في داخلك، ربما تبكي من الفرحة والسرور، فأين العيب في ذلك؟
هل تعلم أن من السبعة الذين يظلهم الله بظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله .. رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعظم خلق الله على وجه الأرض كان يبكي في بعض المواقف، وكانت تفيض عيناه بالدمع حتى تبتل لحيته خوفاً وخشية على أمته، أو عند تلاوة القرآن.
قال تعالى: (وّيّخٌرٍَونّ لٌلأّذًقّانٌ يّبًكٍونّ وّيّزٌيدٍهٍمً خٍشٍوعْا). صدق الله العظيم.
وأنا بعد اقول لا عيب ولا شئ ...؟؟
ولا بد ما يجي على كل رجال ظروف تكون دموعه اقوي منه...؟؟
فلماذا لا يبكي ...؟؟؟
وكثير من الرجال يقدر أن يسيطر على نفسه ولا يبكي لكن صدقني يكون الالم بداخله أقوي من الدموع .
هذه من احدى العادات التي غرست في عقليتنا والتي تنص على..
البكاء للرجل انقاص لرجولته...
فعلاً للأسف عادات سيئه...أو بمعنى أصح المجتمع لايتقبل الرجل الذي يبكي على أمور غير متعارف عليها..مثل أن يبكي على قسوة ظروفه..وأحواله..
فإذا أظهر دموعه يستحقر من أجل ذلك من الآخرين...فللأسف يكتمها حسرات وآلم بداخله...مع الوقت ستقتُله..