(ألحَّ عليَّ ابني زياد ذو الأحد عشر عاماً بأسئلةٍ دامية فكانت هذه القصيدة، وهي أسئلة حائرة في أذهان أجيالنا الصاعدة)
ابني يسائلني، والقلب مكتئبُ= إلى متى هذه الأحوال تضطربُ؟
إلى متى أمَّتي تبقى على جُرُفٍ= هارٍ يحاصرها الإعياء والتَّعَبُ؟
إلى متى يا أبي تبقى مَواجعُنا= ناراً من الحزن في الأعماق تَلْتَهِبُ؟
إذا نظرتُ إلى التِّلفاز أرْعبني= طوفان ظلمٍ، له في أرضنا صَخَبُ
وحين أصغي إلى الأخبار يُلْجِمُني= خوفٌ، له في حنايا مُهجتي شُعَبُ
فلست أسمع إلا صوتَ أمَّتِنا= تَئِنُّ، والمعتدي يسطو ويغتصبُ
ولست أُبصر إلاَّ وَجْهَ طاغيةٍ= لكلِّ فعلٍ من العدوانِ يرتكبُ
إذا نَظَرْتُ إلى الأقصى، رأيتُ يداً= للمعتدي، بدماءِ النَّاس تَخْتَضِبُ
وإنْ نظرتُ إلى آفاقِ غزَّتنا= رأيتُها بنقاب الحزنِ تَنْتَقِبُ
تَبيتُ في ظلمات الحزنِ، يهجرها= في ليلها المُدْلَهِمِّ البدرُ والشُّهُبُ
وإنْ نظرت إلى بغدادنا احترقتْ= أوراقُ صبري وأَوْرى زَنْده الغَضَبُ
ماذا أعدِّد من أحداث أمتنا= وكيف يَروي الأسى مأساة مَنْ نُكِبُوا؟!
إني لأسألُ نفسي: كيف تنفعني= هذي الدفاترُ والأقلامُ والكتبُ؟!
وكيف ينفعني تعليمُ مَدْرستي= وشمس إِحساسنا بالأمنِ تحتجبُ؟
وكيف أطمع في تحقيق أمنيتي= وأمتي خَلْفَ باب الذُّلِّ تنتحبُ؟!
أبي العزيزَ، أَجِبْني: كيف تحملني= رِجْلاي والدَّرْبُ فيه الخوفُ والرَّهَبُ؟!
أما ترى يا أبي آفاقَ أمَّتِنا= فيها الدُّخانُ، وفي أوطانها الشَّغَبُ
أموالُ أمتنا في الأرض سائحةٌ= ونحن عند فُتاتِ الحُزْنِ نَحْتَرِبُ
مستقبلي أيُّها المحبوب أرَّقني= أخاف ممَّن بنا في عصرنا لَعِبوا
بُنيَّ - مَهْلَك - فالدنيا لها خُلُقٌ= من التلوُّنِ، فيه الحالُ تنقلبُ
يضيع فيها مَنْ اغترُّوا بزينتها= ومَنْ على متنها نَحْوَ الرَّدَى ركبوا
في هذه الأرض أسبابٌ، مَن انصرفوا= عنها، فليس لهم في نَيْلِها أَرَبُ
فكم تَواثبَ قومٌ بعدما عثروا= وكم تعثَّر قومٌ بعدما وثبوا
وكم تمكَّن قوم بعدما انهزموا= وكم تضعضع قوم بعدما غلبوا
بُنيَّ ما زال في الدنيا لذي خُلُقٍ= مكانةٌ تتسامى عندها الرُّتَبُ
وما يليق بنا يَأْسٌ ونحن على= هَدْيٍ من الملَّةِ الغرَّاءِ نحتسِبُ
خُذْ يا بُنَيَّ بأسباب النجاح فكم= نال المجدُّون ما راموا وما طلبوا
صوتُ الهزيمةِ صوتٌ لا مكانَ له= عند المجاهدِ مهما زادتِ الكُرَبُ
د/ عبدالرحمن صالح العشماوي