انه ابني البالغ من العمر ثلاثة عشرة عاما في الصف الأول الاعدادي نحيف ودقيق الملامح , ضعيف البنية فقد تعرض لعدة امراض منذ ولادته وكنا نقاتل لابقائه على قيد الحياة . لم يكن من الأطفال النابغين أو الأذكياء فمستوى ذكائه في نظر الجميع وخاصة معلميه بالمدرسة يعتبر متوسط أو أقل بنسبة قليلة عصبي وحساس ولكننا نحاول دائما مساعدته على النمو السليم نفسيا وجسديا , ولم نكل من ذلك فكما يقولون لكل طفل مشكلة يتميز بها عن الآخرين . لن أقول منذ فترة طويلة ولكن منذ ما يقرب من ستة أشهر ومحمد في تغير دائم , انه على مشارف مرحلة المراهقة وبدأ يعي ويفهم الكثير من الأشياء التي لم أكن اتوقعها .
انه يجامل الآخرين ويعطف على أصدقائه الأيتام ويرحم الضعفاء منه ويوثرهم على نفسه كثيرا ولكن ما حدث يوم أمس كان مفاجأة لنا وستكون بعض الحوارات التي انقلها لكم بلهجتنا المعتادة
انه بأول يوم من ايام عطلة منتصف العام في الثامنة صباحا استيقظ مسرعا ويده على الهاتف انا : يا ابني افطر الأول والله انا مستغربة ازاى تزعج الناس في الوقت ده الساعة لسه 8 حرام عليك الناس نايمة
محمد : احنا نازلين وعايز اصحيهم كلهم , هننزل الساعة 9 ونص والمفروض الكل يصحى
انا : ازاي نازلين ومقولتليش من امبارح ؟ انا نبهت عليك ألف مرة لما تكون ناوي تخرج تديني خبر قبلها بوقت عشان ارتب اموري , ثم انت رايح فين اصلا ومع مين ؟
محمد : خارج مع (بعض اسماء اصدقائه) ورايحين المول واحتمال ندخل سينما
انا : رايح المول وهتدخل سينما ومقلتليش يا محمد ؟ ينفع كده يعني ابقى آخر من يعلم , لو دخلت سينما هتشوف فيلم ايه ؟
محمد فيلم.........) ومش هتأخر الفيلم يبدأ 10 ونص وبعدها نتمشى في المول وراجع
انا: اوك عامة الفيلم مش بطال (طبعا اتابع ما يصح وما لا يصح ) ومعاك فلوس على كده ان شاء الله (سخرية بسيطة )
محمد: لا ما انتي هتديني فلوس تكفي (تلقائية وعفوية في الرد)
ولن اطيل عليكم دخلنا في حوار وجدال في عدم ابلاغي بالخروج قبلها و حول المبلغ المطلوب الذي يكفي لذلك واصبحت النبرات حادة نوعا ما , ثم توصلنا الى حل وسط يرضيني ولا ينال رضاه تماما .
قام بعمل بعض الاتصالات لأصدقائه والذين اثق بهم وارتدى ملابسه وودعته واوصيته بعدم التأخير. محمد يمتلك جوال واخته كذلك ليكون حلقة وصل بيني وبينهم عند خروجهم من المنزل , جوال رخيص الثمن نوعا خالي من الامكانيات ولكنه يفي بالغرض .
رجع محمد بالسلامة في الموعد المحدد واعطاني تقرير عن ما حدث باختصارفقد كان على عجالة ليكمل اللعب امام حديقة المنزل ومرت بعض الساعات وانا اراقبه بين الحين والآخر من النافذة كعادتي . ومرت ساعات وهو يدخل ويخرج ويصعد سلم العمارة السكنية ويهبط اكثر من مرة فيدخل لتناول بعض الوجبات مسرعا ويعاود لعب الكرة بالحديقة مرة اخرى والوضع عادي الى حد ما . جهزنا وجبة العشاء وناديته ليتناول العشاء ويكف عن اللعب فقد تأخر الوقت .
في اثناء تناولنا جميعا للطعام نظر الينا فجأة وقال : شفتوا اللي حصل في المول النهارده نظرنا جميعا نظرة تساؤل وانا خاصة فقد سرد علي بعض ما حدث فما الجديد ؟
واذا به يحكي قصة لم يسردها أو لم يعتبرها هامة فقد كانت بالنسبة له امرا عاديا وبالنسبة لنا مفاجأة
محمد : كنت ماشي انا واصحابي قريب من المول وشفت من بعيد شيء لامع على كوم رمل , مديت وسبقتهم عشان اشوف ايه ده لقيته موبايل غالي جداااااااااااااااا ومسكته وشافوني اصحابي وفرحوا وقالوا خلاص طالما انت لقيته يبقى من حقك يا محمد. قلت لهم ده مش من حقي انا اشوف مين اصحابه ونرجعه لهم , لقيتهم بيقولوا هتعرف اصحابه منين ي ذكي , قلت لهم ابعدوا عني ثواني وفتحت قائمة الاسماء ولقيت فيها رقمين بس واحد مكتوب عليه كلمة (ماما) والثاني مكتوب عليه كلمة (بابا) عرفت على طول ان الموبايل بتاع حد صغير من سني كده جيت اتصل على الرقم اللي محفوظ باسم بابا لقيت الموبايل مفيهوش رصيد . طلعت موبايلي من جيبي واتصلت بالرقم رد عليا راجل وقلت لقينا موبايل بتاع ابنكم والراجل كان مستغرب ويقول انت مين واسمك ايه ؟ قلت له انا اسمي محمد وواقف عند المول تعالى قابلني وخد موبايل ابنك , رد الراجل وقال انا مش في القاهرة انا في طنطا حاليا ولسه ادامي حوالي ساعتين واوصل عندك . قلت له يا عمو انا داخل السينما جوه المول وهستناك اقابلك بعد الفيلم والراجل قعد يدعي لي ويقول الله يحفظك يا ابني , ربنا يكرمك ويخليك ده فعلا موبايل بنتي ربنا يكرمك وبالتالي دخل محمد الى السينما وشاهد الفيلم وخرج ليجد الرجل امامه ينزل من سيارة فخمة ويأخذ الموبايل ويشكر محمد ويدعو له -----------------
كنا نستمع وتتملكنا الدهشة من تصرفه ونسأل اسئلة اعتقد انه كان يستنكرها وتحرك داخله مباديء لم اكن اعلم انه يحملها بقوة .
ابو محمد : ليه رجعت الموبايل لصاحبه , مفكرتش للحظة انك تاخده لانه افضل من موبايلك؟
محمد : حاجة مش بتاعتي وممكن اعرف صاحبها ليه آخدها وبعدين نفترض ضاع موبايلي وقعدت اعيط واتمنى حد يرجعه لي واكيد الولد كان بيعيط ساعتها ان موبايله ضاع وابوه مش هيرضى يجيب له واحد وحطيت نفسي مكانه .
انا: مين قال لك تتصل بالرقم اللي عليه عشان تعرف صاحبه ؟ التصرف ده ذكي ازاي عملته لوحدك ؟
محمد : معرفش حاجة كده من جوايا قالت لي شوف قائمة الاسماء يمكن تلاقي عليها اسماء ناس يعرفوا صاحب الموبايل .
انا : مش ندمان انك اتصلت من موبايلك لما لقيت الموبايل مفيهوش رصيد وخسرت انت مبلغ مكالمة ؟ محمد: لا مش ندمان لان الراجل قعد يدعيلي واكيد ربنا هيديني حسنات
ابتسمنا جميعا وانهالت على محمد عبارات الثناء والاطراء لعمله الخير برغم صغر سنه وبرغم انه لم يأخذ او ينتظر مقابل الا دعاء الرجل له والذي اسعده كثيرا , ولم يفكر للحظة واحدة ان يطمع في شيء ملك للغير مهما كان الثمن
هذا ابني محمد والواقعة بتاريخ الامس الخميس 17 يناير 2008