وكان من نتائج كرمهم أنهم امتدحوا شرب الخمر ولعب الميسر لأنهما كانا من سبل الكرم فالخمر كانت
تسهل على النفس الإنفاق والجود ولهذا أطلقوا علي العنب اسم الكرم وأطلقوا على الخمر بنت الكرم
أما الميسر فكانوا غالباً يخصصون أرباحه لإطعام الفقراء والمساكين ذلك لم ينكر القرآن نفعهما فقال: (وأثمها أكبر من نفعهما )
ولكن سرعان ما حرمهما مطلقاً فقال سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )
الوفاء بالعهد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يهون في نظر العربي كل نفيس وغالي للحفاظ على عهده واحترام وعده ولم تكن الاتفاقيات والأحلاف
والتجارات والأمانات موثقة أو مكتوبة وإنما كانوا يعتمدون على الكلمة أو العهد الذى اكتسب قوة ونفاذاً
مع حرص العرب على الوفاء به خاصة وأن نقضه كان يعرض القبائل والأفراد للمعرة والمنقصة، وقد تعددت
صور ونماذج وفاء العرب بعهودهم إلى حد يثير الإعجاب ومن ذلك ما حدث مع هانئ بن مسعود الشيباني الذى صمد
أمام الإمبراطورية الفارسية ولم يأبه لكسرى ولا لتهديداته حفاظاً على وعده الذى قطعه على نفسه
بحماية أهل النعمان بن المنذر وأمانته
كما ضرب السمؤال بن عادياً مثلاً أخر في الوفاء بالعهد فيقال أوفى من السمؤال وذلك
عندما أودع امرؤ القيس عنده دروعاً وسلاحًا وذهب إلى قيصر يسنتجد به على أعدائه
واستغل هذه الفرصة الحارث بن شمر الغساني فطلبها من السمؤال وآصر على انتزاعها منه
ولكنه أبى وتحصن بقصره في تيماء وكان ابنه خارج القصر فأخذه الحارث الغساني رهينة عنده
وأخذ يساومه وهدده بقتل ابنه إن لم يستجب لمطلبه إلا أن السمؤال ظل محافظاً على عهده
حتى وهو يرى أبنه يذبح أمامه
ومن أعجب ما يروى أيضاً من قصص وفاء العرب بوعدهم ما حدث مع المنذر بن امرئ القيس
بن ماء السماء عندما حكم بالقتل على رجل من طيئ يقال له حنظلة فقال له المنذر
لا بد من قتلك فسل حاجتك فقال أخرني حتى ارجع إلى أهلي وأفعل ما أريد ثم أصير إليك
فتفعل بي ما تشاء فقال المنذر ومن يكفلك أنك تعود فنظر الرجل في الحضور
فعرف شريك بن عمر بن شراحبيل الشيباني وكان من سادات العرب وأشرفهم فقال
ياشريك يا ابن عمرو ** ويا أخاً من لا أخاً له
فوثب شريك وقال للمنذر أبيت اللعن يدى بيده ودمي بدمه فأطلقه المنذر بعد ان أمهله عاماً كاملاً
ليعود بعده لينفذ الحكم فلما حال الحول وحان الأجل جلس المنذر ينتظر حنظلة فلما أبطأ قليلاً
تقدم شريك ليقُتل مكانه وبينما هو كذلك لم يشعر إلا بركب قد ظهر من بعيد فإذا هو حنظلة قد تكفن
وتحنط وتهيأ لمقتله فلما رآه المنذر عجب من وفائه وقال له ما حملك على قتل نفسك فقال إن لي ديناً وخلقاً
يمنعاني من الغدر فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معاً وقد أقر الإسلام هذا الخلق الكريم فقال اللّٰه عز وجل ممتدحاً أهله
( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )
الشجاعة والأنفة وعزة النفس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانوا لا يقبلون ذلاً ولا هواناً ولا يقيمون على الضيم فكانوا إذا تعرضوا هم أو حلفاؤهم لأى إهانة استلوا سيوفهم
وبادروا إلى خيولهم وصاحوا في أبواقهم وأشعلوها حروبا ضروساً ولو ضحوا في ذلك بأنفسهم
وكان يؤجج من ذلك ما عرف عنهم من سرعة الانفعال وفورة الاعصاب ولا شك أن هذه النزعة عند البدو أشد وأقوى
منها عند الحضر وقد فسر ابن خلدون السبب في ذلك فذكر في مقدمته تحت عنوان أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر
فيقول والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحه والدعة وانغمسوا في النعيم والترف
ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى مواليهم والحاكم الذي يسوسهم والحامية التى تولت حراستهم
واستناموا إلى الأسوار التى تحوطهم والحزر الذي يحول دونهم، فلا يهيجهم هيعة ولا ينفر لهم صيد
فهم آمنون قد ألقوا السلاح وتوالت على ذلك منهم الأجيال وتنزلوا منزلة النساء والولدان الذين هم عيال
على أبى مثواهم حتى صار ذلك خلقاً يتنزل منزلة الطبيعة وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع،وتوحشهم في الضواحي
وبعدهم عن الحامية وانتباذهم الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ولا يقضون فيها
بغيرهم فهم دائماً يحملون السلاح ويتلفتون عن كل جانب في الطرق يتجافون عن الهجوع إلا غراراً في المجالس
وعلى الرمال وفوق الأقتاب ويتوجسون للنبات والهيعات ويتفردون في القفر والبيداء مدلين ببأسهم، واثقين بأنفسهم
قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية يرجعون إليها متى دعاهم داع أو استنفرهم صارخ وأهل الحضر مهما خالطوهم
في البادية أو صاحبوهم في السفر عيال عليهم لا يملكون معهم شيئاً من امر أنفسهم والأصل أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه
لاأبن طبيعته ومزاجه فالذي الفه في الأحوال حتى صار خلقاً وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة
وقد حرصنا على ذكر النص رغم طوله لانه يلقي مزيداً من الضوء على الظروف البيئية وأبعادها النفسية
وأثرها على أخلاق العربى وطبائعه
الحلم
ـــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم مما عرف عن العرب من شدة الانفعال وفورة الأعصاب فقد غلب على سادتهم وأشرافهم وعقلائهم
صفة الحلم فكانوا يمثلون صوت العقل والحكمة يبثون الأمن والطمأنينة فيمن حولهم فقد سعوا بين الناس بالسلم
والأمن وأطفئوا نيراناً للحرب وانهوا خلافات وصراعات بين القبائل وحقنوا الدماء وتحملوا الديات سعياً لوحدة قبائلهم
ولم شملها وتوحيد كلمتها .
وكان من أشهر حكماء العرب الاحنف بن قيس صاحب المقولة الشهيرة سيد القوم خادمهم أى الساعي
في خدمة أبناء قبيلته ولما سئل بماذا سدت قومك قال بثلاث خلال بذل الندى وكف الأذى ونصرة المولى
وقال أيضاً تعلمت الحلم من قيس بن عاصم الذى جاءه خبر قتل ابنه فلما جاءوا بالقاتل أقبل عليه وقال لمن حوله
أرعبتم الفتى ثم دنا منه وقال يا بني لقد نقصت عددك وأوهنت ركنك وفتت في عضدك وأشمت عدوك وأسأت
لقومكك ثم أمر أن يخلو سبيله وما حل حبوته ولا تغير وجهه
التفاخر والزهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اشتهر العرب بحبهم للزهو والتفاخر فكانوا يتفاخرون بالأباء والأجداد والأنساب والأحساب والشرف والسيادة
وكثرة الأبناء والأعداد والانتصارات وتمادوا في ذلك فافتخروا بأموالهم وما ملكوه من دواب وخيول وغيرها
ولم يقتصر تفاخرهم على الأحياء فحسب بل امتد أيضا إلى الأموات فكانوا ينطلقون إلى المقابر
فيشيرون إليها ويذكرون أصحابها ويفتخرون بهم وبأمجادهم
فأنزل اللّٰه سبحانه وتعالى قوله تعالى ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر )
وكانوا يعقدون مجالس للمفاخرة بينهم فيبدأ كل طرف بالمفاخرة بقبيلته فيرد عليه خصمه كذلك
وكان يجلس الحكام للحكم بينهما وتفضيل أحدهما على الآخر وكان لهذه المفاخرات أثاراً إيجابية وسلبية
على السواء إذ أثارت روح الحماسة والحمية والفخر في نفس العربي الذي حرص على الحفاظ
على هذه المفاخر أما أثارها السلبية فقد كانت سبباً لإثارة روح البغضاء والأحقاد بين الأفراد والقبائل
بعض العادات الأخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان للعرب أيضاً آدابهم منها احترام النساء واحترام حرمة البيوت فكانوا يستأذنون عند دخول بيوت الغير
ولما خالف بعض الأعراب هذه القاعدة أنكر القرآن الكريم عليهم ذلك وأمرهم بالالتزام بالاستئذان فقال
تعالى ( لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها )
وأيضاً احترام كبير السن فلا ينادونه باسمه وإنما بكنيته ويبادرونه بالتحية وفي مجالسهم يقوم القاعد للقادم
ويوجه له التحية لاسيما إذا كان كبيراً في السن أو شريفاً وله منزلة هذا فضلاً عن الصدق والصبر والتحمل
فعندما قدم سويد بن الحارث الأزدي رئيساً على وفد قبيلته لتعلن إسلامها وسأله النبي صلى اللّٰه عليه وسلم
عن خلق قومه في الجاهلية فقال أما الخمس التى تخلقنا بها في الجاهلية فهي الشكر عند الرخاء والصبر
عند البلاء والصبر في مواطن اللقاء والرضا بمر القضاء والصبر على شماتة الأعداء فرد عليه النبي صلى اللّٰه عليه وسلم
( حُكما علماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء )
كان لا بد لهذه الأخلاق والآداب من حماة يحمونها ويدافعون عنها ويتصدون لمن يخرج عنها
فظهر الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وكان من أشهرهم حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السُلمي
كان بمكة محتسباً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويردع الخارجين والسفهاء، وكانت له من الهيبة وقوة العزيمة
ما يثير الخوف في نفوسهم ويبدو أنه كانت له أيضا سلطة توقيع العقوبات عليهم بل ونفيهم عن القبيلة وفي
ذلك يقول أحد سفهاء قريش
أُطوف في الأباطح كل يوم ** مخافة أن يُشردني حكيمُ
وغير ذلك كثير من السجايا الطيبة والأخلاق الحميدة
كما اتسموا بالغطرسة والغرور والإعجاب بأنفسهم إلى حد الزهو والفخر والمدح
وكما ألقت البيئة بظلالها على أخلاق العرب فقد امتدت تأثيراتها الواضحة على عاداتهم وتقاليدهم
فانتشرت بينهم عادة وأد البنات مدفوعين لذلك بأسباب اقتصادية واجتماعية مثل الخوف من الإملاق
والفقر الشديد وأيضا الخوف مما قد تجره إليهم من عار إذا ما تعرضت للسبي فكان الرجل إذا رزق بانثى
أمر أمها ان تزينها بالثياب والحلي ويذهب بها إلى البرية فيحفر حفرة عميقة فيدفعها إليها ثم يهيل عليها التراب
وفي ذلك يقول اللّٰه عز وجل ( وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم *
يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون )
وعلى الرغم من شيوع هذه العادة المنكرة إلا أنها أثارت استياء عدد كبير من حكماء ووجهاء وأشراف
المجتمع العربي قبل الإسلام فدعوا لإبطالها والقضاء عليها وكانوا يشترون الفتيات والبنات من أبائهن
ويتكفلوا بتربيتهن حتى إذا بلغن خيروا أبائهن بين أن يستعيدوهن أو يكفوهم مؤنتهن وكان من أشهر
من حمل على عاتقه هذه المسؤولية الاجتماعية صعصعة بن ناجية جد الفرذدق
إذ يروى عنه أنه افتدى عدة مئات من البنات وحماهن من الوأد
ودمتم سالمين
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ فتى الجميزه على المشاركة المفيدة: