أنت غير مسجل في منتديات الوئام . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

صائد الفرص للأسهم الأمريكية والاوبشن 
عدد الضغطات  : 20009
مساحة اعلانية 
عدد الضغطات  : 15720


العودة   منتديات الوئام > المنتديات الادبية >  بوحْ الشعِر والنثر ..

 بوحْ الشعِر والنثر .. للشعر الفصيح والشعبي والنثر " المنقول "

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08 / 12 / 2018, 17 : 10 PM   #1
فتى الجميزه 
" شاعر "

 


+ رقم العضوية » 53052
+ تاريخ التسجيل » 21 / 05 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 7,079
+ معَدل التقييمْ » 10652
شكراً: 2
تم شكره 126 مرة في 117 مشاركة

فتى الجميزه متواجد حالياً

افتراضي تنبؤات الشيخ تتحقق

الشيخ الذي تنبأ بما سيكون قبل أن يكون
يعتز العربي بنسبه من ناحية أمه كاعتزازه به من ناحية أبيه كما ان العرب وأهل البادية
وبصورة خاصة يؤمنون بالوراثة من ناحية نسب الاب
فإنهم أيضاً يؤمنون إيماناً راسخاً بها من ناحية نسب الأم .
والحديث الشريف يقول : (إياك وخضراء الدمن فإن العرق دساس)
وخضراء الدمن المرأة الجميلة في المكان غير الشريف .
وقد نجد من رجال البادية رجالاً يبلغ بهم الإسراف بهذه الناحية درجة تجعلهم
لا يقف بهم الأمر إلى الحد الذي يجعل أحدهم يفخر بخاله المباشر فحسب
بل يذهب به الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك فنجده مثلاً يعتز بخال أبيه وبخال أمه
ومن أصدق الأدلة على ذلك البيت الذي أنشده الشيخ العاصي الجرباء
رئيس قبيلة شمر بالفرات بادية سورية عندما قال :
به الزعيلي والدويش = وعضيب خال أمه وكاد
بهذا البيت يعبر لنا الشاعر بثنائه على ابنه المدعو الهادي بأنه عريق بنسبه
من شتى الوجوه فتجده يفخر بنسب أبنه من قبل خال أمه الذي
هو عضيب ابن موعد الفارس المشهور .
وثمة ظاهرة أخرى وهي أن البدوي يعتقد أن بعض الأسر يكون في نسائهم
ميزة من حيث النجابة والعكس بالعكس تماماً .
فتجدهم مثلاً يعتقدون ان الفتى الذي تكون أمه من الأسرة الفلانية
أو من الفخذ الفلانيه فإنه لا بد ألا يكون نجيباً بصرف النظر عن كون رجال
هذه الأسرة كلهم نجباء أو عاديين فهذه الناحية لا علاقة
لها في الموضوع الذي نحن بصدد ذكره .
ولما كان للعادات أكبر الاثر وأعظم التأثير في تسيير مجري حياة الكثير
من الناس فإنه يصدف أن تصح هذه النظرية و وعندما تلتقي الصدف
والإيمان بالعادات على صعيد واحد فلسوف يزداد الإيمان بتلك العادات بصورة
يستحيل معها تفنيد رأي المؤمنين بها وهذه القصة
التي بين يدي القارئ من جملة القصص
التي تجعل الإيمان بتلك الظاهرة حقيقة معترفاً بها بين رجال القبائل ونسائها
وتاريخها يقع في 1230 هـ أي منذ قرن ونصف القرن ومضمونها كما يلي
كان صالح بن رغيلان بن علي من الأسر التي يقال عنها أن نساءها
لا بد إلا أن يكون مولودهن نجيباً وكان بكره أنثى فراح فايز بن هذيل
يخطب ابنة صالح بن رغيلان وكان قصده من ذلك هو أن يرزق مولوداً نجيباً
فوافق صالح ابن رغيلان ولكن بعد أن طلب مهراً فيه من المغالاة ما يثقل كاهل
الخطيب الأمر الذي جعله يتنصل من رغبته بهذه الفتاة ويذهب ينقب عن ضالته
من طريق آخر وبمحض الصدفة رمى به الفال إلى فتاة ذات جمال رائع
وكانت الرؤية ليلاً بصورة تجعله يستطيع أن ينظرها بخدرها وبدون أن تراه وكان الفصل شتاء
وكانت الفتاة تصطلي على حمو نار وضوء النار الساطع كان ينعكس على بياض بشرتها الناصع
فدنا بخطى وئيدة لينظر إليها من قرب وبدنوه رأى جمالاً عربياً رائعاً فأصيب الرجل
بذهول أفقده الرشد وجعله يفكر بالاقتران بها بدون أن يسأل عن نسبها وحسبها اللذين
كان ينشدهما بخطيبته الأولى فبات تلك الليلة على مضض وما ان انبلج الفجر وبزغت الشمس
حتى ذهب مسرعاً إلى صديق له عزيز ليخطب له تلك الفتاة من أبيها وكان الوقت بين ذهاب الرسول
لوالد الفتاة وبين عودته إليه حاملاً موافقة والد الفتاة قصيراً جداً وبعد الموافقة لم يكن لديه من الصبر
ما يجعله ينتظر لحظة واحدة بل دفعه الشوق والغرام إلى مواصلة سعيه فذهب وعقد النكاح
وتم نكاحه بالحسناء بأقرب ما يمكن من السرعة و وعلى الفور حملت وأنجبت ذكراً .
وعندما كان فائز جالساً أمام بيته الشعر على مقربة من مجلس الضيوف وبعيداً
عن الرواق الحائل بين المكان المعد للنساء المسمى ب (الرفه) واضعاً مولوده الجديد
في حضنه ويداعب الطفل تارة ويقبله أحياناً .
زهده بعروسه الجميلة وشككه بنجابة ابنه
وفي تلك اللحظة دخل عليه شيخ أشرف على نهاية العقد السادس يدعى فضيل بن غانم
من أقاربه الأدنين وكان فضيل من الرجال الذين يركن إلى رأيهم في الأمور الهامة ومن أرسخ
رجال عشيرته علماً في التقاليد والعادات وعندما تبادل التحية مع صاحب البيت جلس
في مكان مشاهد لفائر وظل يرسل بصره خلسة نحو الطفل الذي في حجر أبيه
ففطن له فائز وأدرك ما يحوك في صدره من مولوده الجديد وإنما أراد أن يتجاهله وكأنه
لم ينتبه له ولكن الشيخ لم يتركه يتمادى بتجاهله بل راح يتحرش به ليكشف
القناع عما يدور في نفسه فوجه له السؤال التالي :
فقال من هو خال ابنك ؟
فرد عليه فائز قائلاً :
أجاهل خاله أم تتجاهل ؟
فقال فضيل فسر سؤالي كيف تشاء .
فقال فائز ألا تعلم أن الولد يشبه الفحل ؟
قال فضيل بلى لا شك ولكن مهما بلغ الفحل من الاصالة فإنه
لا يكون ابنه نجيباً ما لم تكن أمه من فحل نجيب.
قال فائز هذه نظرية نتناقلها نحن منذ العهد الجاهلي وما قبله وقد تصيب مرة ولكنها تخطئ مراراً .
قال فضيل إنها نظرية حق ويندر جداً ألا تكون على صواب .
قال فائز ماذا تقول بفارس العرب عنترة العبسي ؟
قال فضيل عرفت ماذا تعني فكنك تقول أنه ابن أمة سوداء ومع ذلك بلغ الشهرة بفروسيته
مكانة لا ينافسه عليها أحد من فرسان العرب قاطبة .
قال فائز أجل هذا هو الذي اعنيه بالذات .
قال فضيل هناك فيه تباين بعيد بين ابنك هذا الذي عرف خاله بأنه شاوي
ولم يعرف عن نسائه ولا عن أهله النجابة قطعياً وبين عنترة الذي وإن كان أمة سوداء
ولكنه أثبت عملياً بأن أمه من النساء اللواتي ينجبن الأبطال أمثاله ولو أن خالته واقعها عربي فارس
كشداد والد عنترة لأنجبت منه فتى لا يقل شجاعة عن عنترة وأنت إذا استطعت أن تؤكد
بأن واحدة من أسرة أصهارك أنجبت من أي عربي مولوداً فارساً نجيباً فإنني سوف
أتراجع عن رأيي وإن لم تستطع كما أعتقد بأنك لن تستطيع فإنني من الآن سوف
أنبؤك بما سيتم في مستقبل ابنك هذا المدلل أعانك الله عليه .
قال فائز هيا أخبرني بماذا تتنبأ به من مستقبل الطفل ولا تظلمه او تظلم نفسك .
قال فضيل إن غزاك أعداؤك واغتنموا إبلك فسوف يجبن عن لقائهم وإن اعتدى عليك معتدي
وقتلك أو جرحك فسوف لا يكون لديه من الشجاعة ما يجعله يفكر بأخذ الثأر ممن اعتدى عليك
وواحدة من هاتين الخصلتين بالفتى كافية أن تحكم عليه بأن عدمه خير من وجوده .
قال فائز يجب ان تعتبر هذا اليوم سعيداً بدلاً من أن تعتقد أنه يوم مشؤوم لأن القريب أو الصديق
الذي يوضح لك اعوجاجك طالباً أن تعدله خير من ذلك الصديق المزاجي الذي يجاملك حتى تسير
في طريق معوج حتى لو شئت أن تعود منه فإنه يصعب عليك ذلك .
قال فضيل لماذا لم تستنصحني قبل الإقدام على الزواج بهذه الفتاة ؟
فالمسؤولية تقع على عاتقك لأنك لم تستنصح أي واحد من رجال القبيلة
وكانت الأخبار الشائعة لدينا تفيد بأنك خطبت ابنة صالح بن رغيلان فاستبشرت خيراً
وبينما نحن نرقص طرباً على سماع تلك الإشاعة وإذا بالخبر السيء يأتي إلينا فجاءة بزواجك
من ابنة الشاوي فسألنا ما السبب الذي صرفك عن الأولى وعن السبب الذي جاء بك
إلى هذه فقيل أن السبب الذي أبعدك عن ابنة النجيب هو أنك بخلت عن دفع المهر
الذي طلبه منك والدها وكما تأكدنا بأن السبب الذي رمى بك إلى ابنة الشاوي هو أنك رأيتها
ليلاً تصطلي على النار فاستولى على لبك حمرة بشرتها وأسر عقلك قوامها المديد
وخصرها الضامر وبياضها الناصع فأقدمت على النكاح بدافع غريزتك الجنسية بدون
أن تنظر بعيداً إلى ما يترتب على ذلك من نتائج .
قال فائز لو أن ابن رغيلان كان كريم وأخو مروءة كما يشاع عنه لما انصرفت عن خطبتي لابنته
ولكن التجارب أثبتت انه رجل استغلالي يريد أن ينهب مني كل ما أملك من الإبل
مقابل تزويجي ابنته وهذا ما جعلني أعرض عنه .
المال يأتي عوض عنه مال ولكن نجابة الابن لا تعوض
قال فضيل ليتك أخذت رأيي في موضوع ابنة بن رغيلان لأنني أعتقد
أن الرجل ليس طماعاً ولا استغلالياً كما تظن .
قال فائز القضية ليست مجرد ظن كما يخيل لك وإنما هي حقيقة واقعية .
قال فضيل فلنفرض أن الرجل طماع واستغلالي ولكن عندما تدفع له كل
ما يطلبه منك فستكون أنت الرابح لأن المال الذي تدفعه سوف تتعوض عنه مالاً خيراً منه
ولكن خسارتك في عدم نجابة الابن لا تتعوض عنها شيئاً قطعياً .
قال فائز أخشى أن ابنة ابن رغيلان قبيحة لا تطاق فأكون وقتها خسرت المال والجمال .
قال فضيل أنا لم أرى الفتاة ولكن سمعت نساءنا يتحدثن عنها
بأنها لا يدانيها بالجمال أية فتاة من فتيات القبيلة باسرها .
قال فائز المهم أنها لا تكون بشعة تتقزز منها النفس فإذا لم تكن كذلك فإنني على
أتم الاستعداد بأن أدفع كل ما يطلبه مني أبوها ماعدا فرسي التي ليس عندي أغلى منها بمالي كله .
قال فضيل دعني أذهب إلى أختي التي تكبرني لكي أتأكد منها لأنني
أذكر مرات أنها أسرفت بنعتها للفتاة بالجمال
.
قال فائز من الأحسن أن تأتي بها معك لأسمع من فيها ولأزداد قناعة .
قال فضيل إذن لا حاجة بأن أذهب بنفسي بل سوف أبعث
لها أحد هؤلاء الصبيان الذين يمرحون هنا ليناديها .
قال فائز الأمر متروك لك .
وأمر فضيل واحداً من الصبيان لينادي أخته وعلى الفور حضرت أخت فضيل
التي تجاوزت السنين الأولى من العقد السابع .
وبعدما استقرت في مكانها قال لها أخوها :
كنت أذكر أنك حدثتيني عن ابنة صالح بن رغيلان فهل لك أن تحدثي أخي فائزاً عما تعرفينه عن جمالها ؟
فقالت أخت فضيل على الفور :
نعم فتاة ابن رغيلان ليست من الفتيات اللواتي يحتجن إلى سؤال من شتى الوجوه
سواءً من ناحية الجمال الذي لا ينافسها عليه أحد من نساء القبيلة بكاملها
ولا من ناحية رجاحة عقلها كفتاة بالثامنة عشر من عمرها ولكنها تحمل عقل امرأة
تجاوزت الأربعين وأما من ناحية نسبها فيكفي أن أباها صالح بن رغيلان .
وما أن انتهت العجوز من حديثها حتى تولى الحديث معها فائز بنفسه قائلاً :
لا شك أنك تعرفين زوجتي هذه
قالت أجل كيف لا ؟
قال فائز فهل في ابنة صالح من الجمال ما يقارب لزوجتي هذه ؟
قالت أتقول ذلك عن جد وحقيقة ؟
قال فائز ألا تعلمين إنني لا أتحدث إلا بالجد والصراحة ؟
قالت مادام الأمر كذلك اسمح لي بان أؤكد لك بأن زوجتك التي سلبت لبك
عندما تجلس بجانب ابنة ابن رغيلان سوف تكون كأصغر النجوم بجانب البدر
عندما يبلغ نموه كاملاً ومضت أخت فضيل إلى أن قالت : ربما أكون مخطئة
في نظرتي إلى الفتاة أو مسرفة في وصفي لها ولذلك من الأحسن لك
أن تسأل غيري من نساء الحي اللواتي لهن صلة مباشرة أكثر مني لكي
تكون على يقين من الأمر فيما إذا قدر لك نصيب من السعادة بالاقتران منها .
بعدما انتهت العجوز حديثها تدخل أخوها فضيل قائلاً :
إن أختي على جانب كبير من الصواب في رأيها ولذلك أرى ان من الضروري أن تسأل
من تثق به من نساء اسرتك اللواتي يعرفن الفتاة لتتوفر لديك الأدلة الكاملة .
قال فائز بعد كلام أختك هذا لا أراني بحاجة إلى سؤال أحد فيكفيني
من ابنة بن رغيلان أنها ليست البشعة التي لا تطاق فهذا وحده يجعلني لا أتردد
عن خطبتها ثانية وواصل حديثه إلى أن قال : هذه المهمة سوف أوكل أمرها إليك
يافضيل فأنت تذهب وكيلاً عني وتخطبها من أبيها .
قال فضيل سوف أسعى والتوفيق بيد الله .
وذهب فضيل من عند صديقه إلى قريبه صالح وشرح له المهمة التي جاء من أجلها
فصمت صالح فترة لم يجب بكلمة واحدة ثم قال بعد
أن ملأ سبيله من (تتن العراق) وجرع منه نفسين
:
فقال صالح سبق أن طلب مني فائز ابنتي وطلبت منه مهراً معقولاً
فلم يرد عليّ وقد سمعت أنه تزوج من ابنة شاوي وأما إذا كان يريد ابنتي الآن
فإنني لن أزوجه إياها إلا بشرط واحد وهو أن يضاعف طلبي الأول من الإبل وزيادة
على ذلك يدفع فرسه فإن قبل فبها وإن لم يقبل فليس عندي كلام أكثر من ذلك .
ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر
عاد فضيل إلى فائز ونقل له موافقة والد الفتاة وطلبه المضاعف
وكان الطلب يعني أن يتجرد الخطيب من ثلاثة ارباع ما يملك من الإبل
وكل ذلك كان رخيصاً بنظر الخطيب ماعدا فرسه التي يرى أنها
مصدر مجده ورزقه فإن قلت إبله يستطيع بسبب وجود فرسه أن يغزو
أعداءه ويغتنم منهم إبلاً وإن غزاه أحد فإنه يستطيع أن يقاتل الغزاة على صهوتها
حتى يدحرهم خاسرين وهذا مما يجعله يتردد في المضي بدفع الفرس ضمن
المهر المطلوب فراح يستشير صاحبه فضيل في موضوع الفرس فقط فرد عليه بقوله :
لماذا تسألني عن شيء سبق إن وضحت لك رأيي به مقدماً حيث قلت لك
في بداية الحديث أن المال بالإمكان أن تعتاض عنه مالاً ولكن عدم نجابة الابن
ليس هناك ما يعادلها في الحياة ثم استرسل فضيل إلى أن قال :
لك أن تختار بين أن تعيش في حياتك كعيشة الرجل العقيم ليس لديك من الذرية
من يذود عن حماك ويحمي ظهرك ويرد الغزاة المعتدين عندما تبلغ من العمر عتياً
وتصبح هرماً لا تستطيع كفاح من يعتدي عليك من العدو القريب أو البعيد
وغداً إذا توفيت فلن يكون هناك ابن نجيب يخلفك ويحيي ذكرك
وبين أن ترخص مالك في سبيل أن تنجب ابناً يكون سنداً لك في حياتك
وفي حالة شيخوختك فتكون هيبتك بهرمك بفضل وجود ابنك النجيب
كهيبتك أيام شبابك وفتوتك فلا يتجرأ أعداؤك البعيدون والأدنون أن يمسوك
بأدنى أذية مادام لك ابن نجيب يذود عن حماك ويثأر لك ممن ينال منك .
قال فائز إذن هذه إبلي مائة وستون ناقة لك أن تأخذ منها مائة وعشرين
وهذه فرسي خذها واذهب بها إليه وخذ منه وعداً بشأن عقد النكاح .
وذهب فضيل واستعان بالرعاة وأخذ مائة وعشرين ناقة وجاء إلى الفرس
وامتطى صهوتها وراح الرعاة في مقدمة الإبل وهو في مؤخرتها حتى وصل
إلى بيت صالح والد الفتاة فناوله عنان الفرس كما سلمه الإبل بالعدد الكامل
وطلب منه أن يعين موعداً لعقد النكاح فأجاب بقوله :
أي وقت تريد ..
فعاد فضيل إلى صاحبه يخبره بأن تحديد وقت العقد عائد له فقال :
فائز أريد أن يكون في صباح الغد .
فرجع فضيل ليؤكد لوالد المخطوبة بأن صاحبه يود أن يكون العقد غداً صباحاً
فوافق على ذلك وفي صباح الغد جاء فائز وصديقه فضيل قاصدين
بيت صالح فوجداه جالساً حسب العادة وبعد ان احتسيا أكواباً من القهوة
أجري العقد الشرعي حسب العادة المألوفة وقبل أن يفترق الحاضرون قال والد الفتاة لصهره
:
سوف تأتيك زوجتك هذه الليلة
فراح فائز يهيء لعروسه البيت .
المصاهرة التي اصبحت مضرباً للمثل
ظل فائز بن هذيل في صراع عنيف بينه وبين نفسه وقد بدأ هذا الصراع
يزداد عنفاً منذ أن ذهبت منه فرسه النجيبة وبينما هو يناجي نفسه
في الخواطر التي استولت على كيانه وأصبحت هذه الخواطر تعبث
في أفكاره وحواسه متشعبة إلى جبهتين : خواطر تقلقه عندما
يرى نفسه أصبح صفر اليدين من ثلاثة أرباع ما يملكه
من كسب عمره الطويل ومن فرسه التي لا يعادلها أي ثمن عنده
وبين ما يعزي به نفسه من أنه سوف يرزق ابناً نجيباً من ابنة ابن رغيلان
ليحيي ذكره ويحيا بكنفه في آخر حياته ومشكلته أن الأفكار الأولى
توحي إله بان خسارته محسوسة وملموسة بينما ربحه لم يكن
مضموناً ضماناً تاماً كخسارته الملحوظة فقد تكون ابنة بن رغيلان عقيماً
لا تلد ابداً وقد لا تلد إلا إناثاً وربما تلد ذكراً لا يكون نجيباً كما يعتقد صاحبه
وكل هذه الاحتمالات جائز أن يتحقق بعضها وفي بعض اللحظات يذهب به
خياله إلى أن يمقت صاحبه فضيل ويمقت الساعة المشؤومة التي جاءه فيها
وزهده بزوجته الجميلة وشككه بنجابة ابنه و وبينما هو سابح في
خضم هذه الأفكار المتصارعة في كيانه وإذا به يسمع صوت رعاته
الذين ذهبوا بإبله في الليلة الماضية يحدون وفي الحين الذي يصغي به
على أهازيج الرعاة بمرارة ويأس سمع صهيل فرسه من قرب
فقفز بدون وعي منه ظاناً أن فرسه انطلقت من صهره وجاءت
إلى أهلها الذين الفتهم وترعرعت بينهم منذ أت خلقت
ودار في ذهنه تلك الساعة من الخيال ما يجعله يفكر بأن لا يدع فرسه
تعود إلى صهره بدعوى أنها التجأت إليه بدافع الألفة القديمة
وكان ناوياً أن يقول لصهره بانه على أتم الاستعداد بأن يدفع ما تبقى
من إبله بكاملها على أن لا تفلت فرسه من يده بعدما عادت إليه
وكان آخر حل عنده فيما إذا أصر صهره إلا أن تعود الفرس هو أن يفسخ العقد
ويريح باله من هذه المشكلة التي ورطه بها صديقه
فضيل منذ أن جاء إليه في ذلك الصباح المشؤوم .
وفي تلك اللحظة الني كان يعاني فيها الصراع المرير بين
خسارته المحسوسة وبين آماله التي ليست مضمونة
وبالتالي بين قراره النهائي الذي اتخذه بعدما سمع صهيل فرسه
وفي هذه اللحظة الحاسمة تبدد ذلك القلق بمفاجأة سارة
وإلى كسب مضمون لم يتصوره كانت هذه المفاجأة هي
أن الرعاة الذين كان يسمع أهازيجهم عادوا إليه بإبله التي أعادها
إليه صهره بدون أن ينقص منها شيئاً وكانت الفرس التي يتوهم
أنها انفلتت من صهره وجاءت إليه عفواً كانت معادة إليه من قبل صهره
وإلى جانب هذا كله جاءت زوجته بهودجها وبجانبها عدد من الإبل
محملة بأكياس من الحنطة والتمر والسمن وبالإضافة إلى هذا
بعث صهره الكريم عدداً من الإبل كمهر من عنده لابنته وببيت شعر
مستقل وفرشاًَ وقطعاً من السجاد كل هذه الأشياء جاءت مع شقيق
زوجته الأكبر وعندما بني بيت أخته وفرشه راح وسلم فائز فرسه وإبله
والمؤونة التي جاءت بصحبة العروس ثم قفل راجعاً إلى أبيه .
أما فائز فقد غمر كيانه موجة من السرور بلغت حداً عجز عن
وصفه الواصفون وقد تضاعفت نسبة سروره وارتفعت درجة الغبطة
ارتفاعاً لامزيد عليه عندما دخل على عروسه فوجد بدراً ساطعاً لم
يرى في حياته جمالاً عربياً كامل الأوصاف كهذا الجمال الذي يشاهده
الآن في عروسه فبات تلك الليلة بنشوة من السرور
والغبطة اللذين عاش على ذكراهما مدة حياته .
وفي الصباح الباكر ذهب إلى صديقه ليخبره بنتائج مساعيه الطيبة
وآراءه التي بدأت بشائرها تلوح في الأفق مقدماً
وما إن رآه حتى ذهب يقبل رأسه ويشكره على النصيحة
التي اسداها إليه و شارحاً له الموقف النبيل الذي اتخذه صهره معه
ومعبراً له عن غبطته بعروسه التي وجد فيها من الجمال والعقل
والقدر الذي يسمو على ما وصفته له اخنه فرد عليه فضيل بقوله :
أما من خصوص ما فعله صهرك من إعادته إبلك وفرسك فهذا شيء
لم أستغربه من نبيل شهم كصالح ثم التفت إلى أحد أبنائه وقال :
أسرع إلى عمتك وقل لها أن والدي وعمي فائز ينتظرانك
وبعد لحظة وجيزة حضرت العجوز فقال لها أخوها :
ما هو جوابي لك عندما ذهبتي تشتمين صالح بن رغيلان
على طلب ذلك المهر لابنته من أخي فائز .
فأجابت العجوز قائلة :
لعله تحقق ظنك بصالح .
قال تحدثي أولاً عما قلت لك عن رأيي بصالح عندما بدأتي بهجومك العنيف عليه .
وكنت أقول لك أسكتي وقلت انا أعتقد ان قصد صالح من طلبه هذا هو أن يمتحن
فائز ليعرف مقدار رغبته في مصاهرته وإنه عندما يجد فائزاً مصمماً ومرخصاً كل
ما طلبه منه فإن صالح سوف يرد عليه كل ما دفعه
وعندما انتهت العجوز تولى فائز الحديث وقال :
لقد كان الرجل على ما يظنه أخوك وأكثر مما يظن به
وراح يشرح ما لقيه من صهره من نبل وكرم وما وجده
في عروسه من جمال منقطع النظير وعقل وافر وبعد ذلك
ذهب فائز من عند صاحبه مكرراً شكره له متفائلاً خيراً
بحقيق تنبؤاته له بمولود نجيب وراح وأقام في ليلتها وليمة كبيرة
دعا على شرفها أعيان قبيلته وفي مقدمتهم والد العروس طبعاً
وصديقه فضيل وكانت ليالي فائز وعروسه سروراً دائماً
وشهر عسل مسامراً ولم ينقصه شيء إلا أن تنجب عروسه ذكراً
وبعد مضي ثلاثة أشهر من زواجهما حملت العروس وظل
فائز يعد ليالي حملها بالساعة وكانت أكبر بشرى تزف إليه
تلك التي نقلتها إليه أخته المفيدة بانه رزق صبياً .
بدل الصبي صبيان
وبعد مضي عامين رزق من زوجته الجديدة بصبي آخر
كما رزق أنثى وتوقف الزوجان عن الانجاب بعد ان أصبح
أباً لثلاثة ذكور وأنثى وأمسى لا هم له إلا العناية والرعاية لأبنائه
وعندما كبروا راح يدربهم على أعمال البطولة كالرماية وركوب الخيل
وشتى أنواع الرياضة التي من شأنها أن تزيد عضلاتهم صلابة وقوة .
وعندما بلغ أبناؤه سن الرشد ووثق أبوهم أن كل واحد منهم أتقن
فن الفروسية ومهر بها وأصبح الفرد منهم فتى مفتول الساعد فارع القامة .
بعد ذلك جمع أبناءه وقال
:
لهم إنني الآن تجاوزت سن الشباب وأصبحت بحاجة إلى الراحة والهدوء .
وقد بذلت في شبابي جل جهدي حتى جمعت هذه الإبل وحميتها
بسنان السيف وسنان الرمح عن غزوات الطامعين أما الآن فإنني سوف
أطلق السلاح والنضال وأترك هذا الأمر لكم
أيها الفتية فأرجو أن لا يخيب ظني بكم .
كان أبناؤه الثلاثة على جانب كبير من وسامة الفتوة وقوة الشباب
ولكنهم حتى تلك الساعة لم يتسن لأي واحد منهم
المحنة التي تكشف الغطاء عن مقدار تحملهم وطاقتهم .
ويقول الراوي سبق أن أشرت في أكثر من مكان بان النزاع
بين قبيلة شمر وعنزة كان دائماً مستمراً بحكم تجاور القبيلتين
وعندما يكون أحد المواقع خصباً عند ذلك يشتد النزاع بين المتحاربين
فكل منهما يحاول أن تتمتع إبله بهذا المرعى وتارة تكون الحرب
سجالاً وأحياناً تكون الغلبة لأكثر القبيلتين عدداً وعدة

يتبع ...

سبحان الله وبحمده

سبحان الله العظيم

 

  رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ فتى الجميزه على المشاركة المفيدة:
wafei   (09 / 12 / 2018)
قديم 08 / 12 / 2018, 20 : 10 PM   #2
فتى الجميزه 
" شاعر "

 


+ رقم العضوية » 53052
+ تاريخ التسجيل » 21 / 05 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 7,079
+ معَدل التقييمْ » 10652
شكراً: 2
تم شكره 126 مرة في 117 مشاركة

فتى الجميزه متواجد حالياً

افتراضي رد: تنبؤات الشيخ تتحقق

وكان رجال قبيلتهم يجلسون كل صباح عند رئيس القبيلة

ليعقدوا رأياً موحداً ويتخذوا قراراً يجمعون عليه وعلى

ضوء هذا القرار يعين المكان الذي تسرح إليه إبل القبيلة لكي

يتبعها الفرسان من أجل حمايتها من غارة العدو وكانت المعلومات

الواردة تفيد أن قبيلة عنزة تزيد عليهم عدداً وعدة ولذلك كانوا

يبعدون بإبلهم عن الأرض التي تقطنها عنزة ويحاولون ما استطاعوا

أن لا يتحرشوا بهم وكان الفتيان يذهبون كالمعتاد كل صباح إلى


رئس القبيلة ليعرفوا المكان الذي تذهب إليه إبل القبيلة

ولكنهم بعد ما عقدوا العزم على أن يذهبوا بإبلهم إلى أرض العدو

المحظورة رأوا أن لا فائدة من وراء ذهابهم إليه بل كل ما في الأمر أنهم

بعد ما امتطوا صهوات خيولهم وتنكبوا سيوفهم ورماحهم وأمروا الرعاة

أن يذهبوا بالإبل إلى الأرض المتوفرة فيها الكلأ والتي تتمتع برعيها إبل العدو

بعد ذلك مروا برئيس القبيلة لا ليأخذوا رأيه في قضية ذهابهم في قضية

قد انتهوا منها ولكن من أجل أن يخبروه بما صمموا أمرهم عليه

مجرد إشعار ليس الا وكم حاول رئيس العشيرة أن يفند رأيهم موضحاً

لهم أن خطتهم هذه إنما هي عملية انتحارية ولكن جميع محاولاته

تفتت على صخرة عزيمة الشباب الفولاذية وهكذا مضى الفتيان .

تنبؤات الشيخ تتحقق

ومضى الفتيان في سبيلهم ولحقوا بإبلهم يسوقونها حتى أوصلوها

الأرض المحرمة على إبلهم والمباحة لإبل العدو وكان مجيئهم

مثار دهشة واستنكار بالنسبة لفرسان عنزة وقد كثرت علامات

الاستفهام فمن قائل أن هؤلاء الفتية بعثهم رجال قبيلتهم للاستدراج

ليتحرشوا بنا حتى إذا هجمنا على إبلهم لحقوا بنا وطوقونا

ومن قائل أن قبيلة شمر جاءها نجدة من أبناء عمهم الذين في العراق

وأن هؤلاء الفتيان لم يتجرأوا على مغامرتهم هذه لو لم يعرفوا

أن وراءهم قوة جاءت من جديد لتحميهم من الخلف

وأخيراً قرر العنوز أن يبعثوا فرساناً ليتحروا الحقيقة وليسبروا

غور القبيلة بكاملها وأن لا يعودوا حتى يأتوا بالسر الحقيقي

الكامن وراء مغامرة هؤلاء الفتيان .

فذهب شلة من فرسانهم لهذه المهمة فراح هؤلاء ولم

يدخروا وسعاً من بذلهم أقصى ما لديهم من الجهد بالتنقيب

والتحري لكشف الحقيقة ظانين أنهم سوف يجدون كميناً

من فرسان العدو ولكنهم بعد ما بذلوا كل ما لديهم من الجهد

ولم يجدوا شيئاً بعد ذلك عادوا إلى رفاقهم وهم قانعون قناعة تامة

أن ليس وراء هؤلاء الفتيان أية قوة تساندهم وأن كل ما هنالك

أنهم صبيان دفعتهم سكرة الشباب إلى القيام بمثل هذه المغامرة

الحمقى ووفقاً لقناعتهم هذه صمموا أن يغيروا على إبل الفتيان

وأن ينهبوها من أيديهم وهكذا فعلوا أما الفتيان فقد دبروا خطة

تقضي بأن لا يكافحوا العدو ساعة هجومه بل يتظاهرون بالجبن

ويلوذوا بالفرار حتى إذا هجم العدو بكامل قوته واطمأن الفرسان

المعتدون بعدم وجود من يكافحهم ومن ثم تقاسموا الغنيمة

واشتغل كل فارس منهم بسوق غنيمته والمحافظة عليها

بعد ذلك يكرون عليهم كرة صادقة على أن تكون كرتهم هذه موحدة

ومصبوبة على أدنى فارس من الغزاة فعندئذن يسهل عليهم

قتالهم فرداً فرداً حتى يستخلصوا إبلهم أو يقتلوهم جميعاً .

وعلى ضوء خطتهم هذه تظاهروا بالفرار إلى أن تقاسم الغزاة الإبل

ومضى كل فارس منهم بحصته عند ذلك كروا جميعاً على

أول فارس من الغزاة وطرحوه أرضاً ثم كروا على الثاني وكان

مصيره كمصير سلفه وعندئذن تخلى الغزاة عن الإبل ولكنهم

لم يتخلوا عن القتال بل كروا على الفتيان حتى حمي الوطيس

بين الجانبين وفي هذه الساعة الحرجة الحاسمة فر أخوهم الكبير

أي ابن المرأة الشاوية وقامت المعركة على الفتيين ابني زوجته الأخيرة

اللذين ظلا يفران ويكران حتى أمساهما الليل وتفرق الطرفان

عن بعضهما ولكن بعد أن غنم الفتيين الفرسين اللتين طرحا فارسيهما

منذ أول المعركة وبعد أن استردا إبلهما ودفع كل فرد منهما ثمناً باهظاً


من الجروح التي نالاها جميعاً من طعان العدو أما أخوهم الأكبر

سالف الذكر فقد كان سليم جسده من أي جرح حيث فرّ من أول

ما حميت المعركة وذهب إلى والده .

فسأل الشيخ ابنه الهارب عن أخويه فأجابه بقوله :

إن آخر عهدي بهما عندما طوقهما فرسان العدو وانهالت عليهم

السيوف والرماح من كل جانب ولم أتركهما إلا وأنا على يقين

من العلم بأن الأعداء مزقوهما إرباً أرباً

وأصغى فائز إلى الحديث المشؤوم الذي يرويه له ابنه وكان بين

المصدق والمكذب ومضى النصف الأول من الليل وهو في قلق عظيم

يشاركه في قلقه هذا أم الفتيين وشقيقتهما التي كانت أقل

من والدتها صبراً وأكثر منها سخاء بسكبها للدموع المنهمرة

من مقلتيها بلا انقطاع أما الشيخ فائز فكان يذرع الأرض الفسيحة

أمام بيته الشعر ذهاباً وإياباً وينشد هذه الأبيات الشعبية معزياً نفسه بها :

موت الفتى دون المعزة والأموال = من فوق قبٌ واردً كالنداوي

في ساعةٍ يثبت بها عرب الأخوال = ويهرب بها الخايب بناخي الشواوي

أخير من صبرٍ على الهون وأذلال = أليا عاد موت الكل بأمرٍ سماوي

المعنى : يقول الشيخ أنه عندما يلاقي الفتى حتفه وهو يناضل

دون كرامته وماله وعلى صهوة جواده هاجماً على أعدائه

كهجوم الصقر على فريسته وفي معركة حاسمة لا يثبت بها إلا الفتى

الشجاع الذي عرف أخواله بالأصالة كما يهرب من هول هذه المعركة الفتى

الذي أخواله ليسوا معروفين بالأصالة أشرف من أن يحيا ذليلاً مهاناً

من أعدائه مادام الموت أمراً حتمياً لا مفر منه .

فالشيخ بأبياته الثلاثة التي يعبر لنا بمعانيها عن واقع أمره يشير

إلى المعنى الذي قال الشاعر الإحسائي علي بن المقرب :

فلا عاش من يرضى الهوان فهل تجد = جباناً على مر الزمان مخلدا

وهل مات من يخشى الوغى قبل يومه = فتى لضروب الحرب لا زال أمجدا

والمعنى الذي أشار إليه أبو الطيب المتنبي :

وإذا لم يكن من الموت بد = فمن العجز أن تموت جباناً

والمقصود : أن الشيخ يعبر لنا في هذه الأبيات أنه وإن كانت

عاطفة الوالد لابد من أن تؤثر على قلبه ولكنه يظهر بمظهر الذي

يفضل مصرع بنيه وذهاب إبله على أن يرى إبل أعدائه ترتع في الأرض

الخصبة بينما إبله تبيت الطوى كما أنه يثني على ابنيه اللذين

يعتقد أنهما قتلا وفي الوقت ذاته يهجو ابنه الذي هرب بدون أن

يعرف مصير أخويه ويعتبر أن ثبات ابنيه دليل على عراقة نسب

أمهما وأصالة أخوالهما كما يعتبر أن هروب ابنه هذا من أوضح الأدلة

على أن أخواله ليسوا من أهل الشجاعة والمجد .

وفي الحين الذي كان الشيخ يردد هذه الأبيات بذهابه وإيابه أمام بيته

وتارة يختطف كوباً من القهوة ويحتسيه وهو في هذه الحالة

جاءت ناقة خلوج من إبل الشيخ فائز وقصدت ابنها الصغير عند البيت

وعندما رأى الشيخ هذه الناقة بات في نفسه من الأمل وراح يخاطب

هذه الناقة كأنه يخاطب إنساناً يعقل قائلاً :

ناشدتك الله يا فلانة يسميها بسمها أين ولديّ فلان وفلان

ثم يعود ويقول مخاطباً الناقة أيضاً أخبريني عنهما لاعتقادي

أن لديك خبر أصح وأصدق من الخبر الذي جاء به ابن الشاوية

وفي الوقت الذي كان يردد الشيخ هذه العبارات للناقة تارة

وأحياناً ينشد الأبيات السالفة الذكر

وفي تلك اللحظة جاءته ابنته تهرول قائلة :

أبشر يا أبي لقد سمعت حداء وأهازيج كأنها أصوات أخوي

يلحنانه تلحين المنتصر فقال أبوها :

اذهبي يا ابنتي ولا تعودي حتى تنبئيني بالخبر الأكيد

فذهبت ملياً ولم تعد حتى وقفت على الحقيقة

ورأت أخويها كما رأت الفرسين اللتين غنماهما من العدو

فعادت مسرعة تبشر والدها بل وتزغرد زافة لوالدها البشرى

بسلامة أخويها وزيادة على ذلك بشرته بالفرسين اللتين

غنمهما أخواها من العدو وبعد ذلك وبفترة قصيرة جاء الفتيان

يسوقان الإبل ولم ينقص منها شيء ولكن كان كل واحد

منهما مثخناً جسده بعدة طعنات من رماح وسيوف العدو

وكان البدو يستعملون للجريح علاجاً عربياً وهو ما يسمى

بالتكميد وتعريف هذا العلاج هو أن تشعل النار في حفرة رملية

وبعد أن تخمد النار يزاح الجمر عن هذه الحفرة وتترك إلى أن تخف

حرارتها وتبلغ درجة يستطيع أن يتحملها جسد الإنسان

وعند ذلك يؤتى بالجريح ويدفن في وسط هذه الحفرة فترة من الوقت .

وعلى الفور أمر الشيخ ابنه الأكبر الهارب أن يحفر ثلاث حفر وأن يشعل

فيهن النار فحفر اثنيتن ثم عاد إلى والده يستفسر عن الغاية

من حفره للثالثة فقال الشيخ :

بعدما تنتهي من حفرها وإشعال النار فيها وإزاحة الجمر للثلاث عند

ذلك سوف أخبرك عن السبب لحفرها فذهب الابن ونفذ ما أمره به والده

وعندما انتهى من الحفر وإشعال النار وإزاحة الجمر من جميع الحفر الثلاث

بعد ذلك قال الشيخ لابنه الهارب
:
كنت أتمنى أنك شاركت أخويك بشرف النضال وأن جسمك ناله من شرف

الكفاح القدر الذي نال جسمي أخويك لكي أدفنك كما دفنتهما وأنت مرفوع

الرأس ناصع الجبين موفور الكرامة أما وقد جبنت وانهزمت عن أخويك لذلك

يتحتم عليّ أن أدفنك في وسط الحفرة لتشارك أخويك على الأقل

بألم حرارة الرمل لأن نفسي لم تطب أن أدفن أخويك البطلين وأخلي سبيلك .

فدفنه أبوه وبدون رضاه وفي الصباح الباكر استدعاه والده وقال له :

هب أن الله توفاني ألم تكن ابني ويحق لك أن تنال نصيبك من مالي

كوارث شرعي كما يرثني أحد أبنائي فقال الابن
:
أجل يا والدي قال الأب :

أريد أن تعلم من الآن بأنني قررت بان أهبك من مالي ما تستحقه

فيما لو كنت ميتاً شريطة بأن لا أراك بل تعتبرني ميتاً كما أعتبر أنك لم تخلق .

وأخيراً ذهب الفتى عن والده وراح يعيش بين خواله بعدما أخذ نصيبه من الإبل .

ويقول الراوي لقد سردت هذه القصة لكي أطلع القارئ على مقدار ما يؤمن

به أهل البادية بالوراثة أما أنا شخصياً فإنني ليس مؤمناً بأن الوراثة

عن طريق الأم بل ولا عن طريق الأب لها تأثير إيجابي في نمو مواهب

الفرد أكثر من تأثير الزمان والمحيط والمجتمع والعادات والقرين .

وأصدق ما يقال بهذا الصدد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه

(الناس بزمانهم أشبه به من آبائهم) .

والغريب أن الشعراء الشعبيين تختلف نظرتهم في هذا الشأن

اختلافاً كلياً فبينما نجد شاعر الحماسة محمد العوني يقول

في قصيدته المسماة بالألفية :

الجيم جنب عن ردي الطماعة = وصادق صديق لك ترى به شجاعة

ترى ردى الخال ما به بتاعه = وتراك من عز المباري تعزى

والمعنى : يقول العوني يجب على المرء أن يبتعد عن دنيء الهمة

وأن لا يصادق إلا المرء المغامر الطموح الشجاع ويقول في البيت

الثاني أن من يكون خاله جباناً دنيئاً لا يمكن أن يكون شجاعاً

ويقول أن المرء يعز ويحترم بين رجال مجتمعه بقدر ما يختاره

لنفسه من الصاحب الطيب والصديق الكريم بحكم أن الصديق

مرآة منعكسة عن أخلاقه وهذا خلاصة ما يقوله العوني .

بينما نجد شاعر الحكمة والموعظة والإرشاد محمد العبد الله القاضي

يقول في بيتين على عكس نظرية العوني بقصيدته اللامية الشعبية وهما قوله :

لا يفتخر من جاد جده وخاله = هي بالهمم لا بالرمم مثل من قال

الجمر يمسي كالخلاص اشتعاله = ويصبح هشيمً مغبراً خامداً بال

والمعنى : يقول في البيت الأول لا يحق للمرء أن يفاخر بنسبه

لامن ناحية أبيه وجده ولا من ناحية أخواله لأن هذه الأمور لا أهمية

لها وإنما الأهمية والأحترام للرجل العصامي الذي يصنع المجد لنفسه

بنفسه معتمداً على سمو همته الشخصية لا على عظام ورمم

آبائه البالية ثم يذهب القاضي مؤكداً هذا بقوله : إننا إذا شئنا أن

نقبل النظرية القائلة أن كل أصل جيد وطيب فإن فرعه سيكون طيباً

فإن المنطق يفند هذه النظرية بحكم أن النار هي أقوى وأصلب المواد

من حيث أصلها ولكن فرعها رماد لا ينفع وأصح معنى في

هذا الصدد هو ما قاله المرحوم معروف الرصافي :

وشر العالمين ذوو خمول = إذا فاخرتهم ذكور الجدودا

وخير الناس ذو حسبُ قديم = أضاف لنفسه حسباً جديدا

1 = الخلوج الناقة التي وضعت من جديد حواراً وتركته في

مكانه لا يستطيع المشي معها لصغره .

أعجبتني ونقلتها لكم ودمتم سالمين

سبحان الله وبحمده

سبحان الله العظيم

 

  رد مع اقتباس
قديم 09 / 12 / 2018, 12 : 12 AM   #3
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,631
+ معَدل التقييمْ » 10189
شكراً: 262
تم شكره 101 مرة في 98 مشاركة

wafei غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تنبؤات الشيخ تتحقق

.............


...




قصة عجيبة

استمتعت بقرائتها

في البداية قلت الله لايعيدك يافضيل ولا يعيد الساعة اللي جابتك
دام فايز متستمع وفالها مع المزيونة وشوو له تنكد عليه عيشته

لكن في النهاية اقول ان فضيل يستاهل بنت فايز نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة اللي اختار امها لصديقه


صحيح

الرجل ينظر لأخواله ويقاس عليهم

ويقال ان النساء مرابط كمرابط الخيل



قصة رائعة

استمتعت بقرائتها وبما ورد فيها من احداث




شكراً لذوقك الرفيع




كلك ذوق




...

...

 

  رد مع اقتباس
قديم 10 / 12 / 2018, 50 : 07 AM   #4
فتى الجميزه 
" شاعر "

 


+ رقم العضوية » 53052
+ تاريخ التسجيل » 21 / 05 / 2011

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 7,079
+ معَدل التقييمْ » 10652
شكراً: 2
تم شكره 126 مرة في 117 مشاركة

فتى الجميزه متواجد حالياً

افتراضي رد: تنبؤات الشيخ تتحقق

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafei نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
.............
...
قصة عجيبة
استمتعت بقرائتها
في البداية قلت الله لايعيدك يافضيل ولا يعيد الساعة اللي جابتك
دام فايز متستمع وفالها مع المزيونة وشوو له تنكد عليه عيشته
لكن في النهاية اقول ان فضيل يستاهل بنت فايز نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة اللي اختار امها لصديقه
صحيح
الرجل ينظر لأخواله ويقاس عليهم
ويقال ان النساء مرابط كمرابط الخيل
قصة رائعة
استمتعت بقرائتها وبما ورد فيها من احداث
شكراً لذوقك الرفيع
كلك ذوق
...
كل الشكر والتقدير والأحترام لشخصك الكريم

أستاذي الوافي الغالي على طيب حضورك

وجمال مرورك العطر والمنير لكل متصفح تمر عليه

وتضع لك به بصمة من بصماتك الكريمة وشكراً لك

على إضافاتك ومداخلاتك الجميلة والمفيدة والثمينة

والتي نستفيد منها دائماً وأبداً وفي كل وقت

وفي كل حين فلك كل الشكر والعرفان والأمتنان

ولشخصك الكريم أجمل وأطيب وأحلى تحياتي

وأصدق دعواتي وتمنياااااتي لك بالتوفيق والسعادة

والصحة والعافية والله يحفظك ويرعاك ويسدد على

طريق الخير خطاك ودمت لنا سالماً أستاذي

سبحان الله وبحمده

سبحان الله العظيم

 

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيخ, تتحقق, تنبؤات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 58 : 12 AM بتوقيت السعودية


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
new notificatio by
9adq_ala7sas
[ Crystal ® MmS & SmS - 3.7 By L I V R Z ]