النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية

اسم الكتاب: النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية
المؤلف: عبد الله الغذامي
الناشر: المركز الثقافي العربي
تاريخ النشر: 1/6/2000
قراءة: شادية الترك
نشر في الملحق الثقافي بأخبار الخليج 25/4/2001

الغذامي ..وتعرية الجمالي في الأنساق الثقافية العربية:
"هل النقد الثقافي، كبديل، على النقد الأدبي أن يكشف لنا ما ظللنا في عمى عنه وظللنا نجتره لقرون وأذواق ..؟" (عبدالله الغذامي ).
هذا السؤال هو ما يكشف هاجس الغذامي في مشروعه النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، الذي أخذ على عاتقه فيه دور المحكمة الثقافية، التي تعلم إدانتها للنقد الأدبي وتبرأتها للنقد الثقافي بتقديم الدلائل والوثائق التي تدين النقد الأدبي، وتكشف حيل الجمالي وهفواته التي كانت تقف في نقدها عند ما هو جميل وتسكت عما هو قبيح، تفتقد الشكل وتهمل المضمون، تهتم بما هو بلاغي وبياني في اللغة وتبتعد عما هو خلفية وأصل ثقافي، يكشف ما تنطوي عليه الأنساق الثقافية العربية من فكر ورؤيا، ونظراً لأهمية الشعر كديوان للعرب ومرآة عاكسة لعاداتهم وأفكارهم، لثقافتهم وتراثهم الذي تنطوي عليه بعد ذلك المضامين والمعايير في تكوين الشخصية العربية، كان لا بدَّ من نقد هذه الأنساق الشعرية التي تربى عليها العقل العربي، وتشعرنت بسببها الذات والقيم التي تغذي كل الأنساق الثقافية العربية وذلك بنقد النسق الشعري كنموذج صارخ لضحايا النقد الأدبي وألاعيبه البلاغية.
النقد الثقافي كبديل للنقد الأدبي:
وكان من الضروري لإحلال مشروع النقد الثقافي مكان النقد الأدبي، أن يؤطر النقد الثقافي ضمن إطار أكاديمي مقنن يمتلك فيه الناقد والباحث أدوات ومواد للفعل فيها على أرض الأنساق الثقافية واجتراح، وبذلك تمَّ تحويل الأداة النقدية من أداة نقدية أدبية إلى أداة نقدية ثقافية، وذلك بإحداث نقلة حقيقية في المصطلح والوظيفة والأداة وبالتالي إضافة الدلالة النقية إلى الدلالات المعروفة سابقا وهي الدلالة الصريحة والدلالة الضمنية لتقوم الدلالة النسقية بوظيفة الكاشف لتلك العلاقات المتشابكة في قلب الأنساق الثقافية، التي تكونت بتعاقب الزمان والمكان وأثرت في الخلق العام للنسق الثقافي، ونظراً للاشتغال بالجمالي على حساب المضمون المغفل والمسكوت عنه في ثنايا النسق الثقافي العربي، ظلت هذه الدلالات النقية كامنة لحين ظهور النقد الثقافي الذي تلعب فيه الدلالة دور الضمير المستتر في الجملة الثقافية.
شعرنة الذات وشعرنة القيم:
"هل هناك أنساق ثقافية ترتب من الشعر وبالشعر لتؤسِّس سلوكاً غير إنساني وديمقراطي، وكانت فكرة(الفحل) وفكرة(النسق الشعري) وراء ترسيخها ومن ثم كانت الثقافة – بما أنَّ أهم ما فيها هو الشعر – وراء شعرنة الذات وشعرنة القيم؟؟" .بما أنَّ دور النقد الثقافي يقوم على كشف ونقد الأنساق المضمرة التي ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل أنماطه فإن الغذامي قد استحضر (ديوان العرب) الشعر كنموذج يعرِّي فيه الجمالي في الخطاب الثقافي ويبرز ما تخفيه الأنساق الثقافية من عيوب وتناقضات مع ما ننادي إله من قيم ومبادئ من خلال نقد أقوى نماذج فحول الشعر العربي ومنهم المتنبي وأبوتمام وأدونيس ونزار قباني، واللذين ما زلنا لهذا اليوم ننادي بهم على أنهم عمالقة الشعر والقول، وذلك في إطار النقد الأدبي والبلاغي لها وفقا لآلية النقد الثقافي الجديد فنحن كنا دوماً تبجيل وتضخيم هؤلاء الشعراء والتغني بأشعارهم بنبرة الفخر والاعتزاز، وتغذية مراجعنا وكتبنا بقصائدهم وكتاباتهم على أساس أنَّ لها الصدارة في الإبداع والإتقان الذي نمنع حقيقته أبداً، وذلك لأننا في نقدنا وتحليلنا لأعمالهم كنا نقف عند حدود النقد الأدبي الذي يهتم بالمفردة وما ينطوي عليها من حسن تفعيلة وسجع، يبرز ما لدى الشاعر من قدرات بلاغية وأدبية لا تتصل بتاتاً بمضمون هذه المفردة أو رسالة هذا الشاعر ولا تكشف القبيح في النص الشعري المتداول. مما يعني أننا نحن كقراء ومتذوقين للشعر أسهمنا بجهلنا بمضمون الأنساق المضمرة في شعرنة قيمنا وذواتنا بقبولنا مضامين هذه الأنساق الشعرية الممجدة للكذب والنفاق، للغرور وحب الأنا، للأنانية والتعالي على الآخر رغم ما تنطوي عليه هذه الصفات من قيم رذيلة ومبادئ رجعية، بل على العكس فنحن نتألق ونتفنن في محاولة الوقوف عند هذه الأغراض وإبرازها في النص الشعري كدليل على إتقان وبلاغة الشعر في سبك الكلام، وهكذا وبكل غباء واستغفال من الشعراء لنا وقعنا في شباك الشعرنة وسطوة الخطاب الفحولي الذي يصنف نفسه في قائمة الشواذ الذين لا تنطبق عليهم القاعدة ولا يخضعون لمشرحة النقد الثقافي، وبالتالي وبما أن الشعر (ديوان العرب) فإن سلوك هؤلاء الشعراء وغيرهم اصبح سلوك ثقافياً يعاد اجتراره وإنتاجه في كل الخطابات الثقافية الأخرى بتعميم الخاص على العام وتغير القاعدة بما يتفق مع الشواذ.
الحداثة العربية حداثة رجعية:
ما هي الحداثة إن لم تكن رؤية وموقفاً جديداً يقتضي التفاعل والتعامل مع ما هو واقع وموجود؟ ماهي الحداثة إن لم تكن ثورة على الرجعية ونقلة حضارية ننتصر بها على ما هو تقليدي ورجعي يخضع لقوانين الفحولة والديكتاتورية والأنا المتوحدة؟ نعم عن وجود أنساق شعرية حداثية الاسم رجعية المضمون تؤكد أن "ثورة الحداثة هي ثورة على الفروض أو ثورة على الموسيقى أو على القافية "(محمد صابر عبيد) وتقودنا إلى طرح السؤال حول ماهية الحداثة التي ننادي بها في وطننا العربي، فكيف لرموز الحداثة والتنوير أن ينادوا بلسان جذورهم الثقافية الرابضة في عقولهم ووجدانهم؟ وكيف لنا ونحن ننادي بحرية المرأة وسموها الفكري على خطاب الفحولة الذكري أن نغذي أشعارنا من الاحتياطي الفحولي في الثقافة الذكورية التي لا ترى في المرأة سوى جسد خاوي؟؟!! أوليس هذا ما أنتجه (نزار قباني) طوال مسيرته الشعرية وفي كل حرف نبضت فيه قصائده الحرة، وكذلك (أدونيس) كرمز للحداثة الشكلية التي اعتمد فيها على تغير اسمه وشكله الخارجي لا على حداثة المضمون والفكر فـ(أدونيس) ما هو إلا ثمرة فحولية لمؤسَّسة الثقافة الذكورية التي أنضجت (أدونيس) في العصر الحديث كرمز شكلي ونموذج خادع يؤكد من جديد عبر الأنساق المضمرة والمنادية باللاعقلاني وغير منطقي رسوخ الثقافة الفحولية فينا وأهمية أن نتبنى مشروع النقد الثقافي للغذامي في نقد أنساقنا الثقافية كي لا نقع من جديد في فخ النقد الأدبي والجمالي البلاغي.
• تجليات النقد الثقافي في العصر الراهن "إذا كان هذا هو النموذج الشعري الأكثر شعبية في مرحلتنا هذه ، فهل نلوم النماذج الاجتماعية والسياسية إذا كانت الثقافة ذاتها هي ثقافة النموذج الديكتاتوري الطاغي والمتفرد والنافي للآخر ..؟!
"عبدالله الغذامي":
إنَّ مشروع الغذامي للنقد الثقافي لا يقف عند أبعاد الثقافة والأنساق الثقافية العربية من شعر أو نثر على السواء، وإنما يتعداها إلى الأنساق الاجتماعية والسياسية في ساحتنا العربية، فالإعلام وكما يرى الغذامي اليوم هو نموذج لصنع الطاغية والأبطال المزيفين وليس هذا فقط بل كل تلك المفاهيم من (ديمقراطية ،عدالة ،مساواة ،حداثة) نالت نفس المآل وسقطت بمجرد صدورها عن أقلام حداثية الشكل ومزيفة المضمون والهدف تتغذى في كتاباتها وكلماتها على المخزون الفحولي الذي طال جميع أنظمتنا ومؤسساتنا الإعلامية والاجتماعية والسياسية التي تمارس حداثتها من منطلق رجعيتها وفحولتها والسبب أن جميع هذه الأنساق العربية هي خريجة مدرسة (ديوان العرب) الشعر من المهد إلى اللحد.
أخيراً، يُعد مشروع النقد الثقافي للغذامي انعطافاً جديداً نحو صحوة ثقافية نقدية تعكس وعياً ثقافياً نقدياً يسعى إلى قراءة الأنساق العربية قراءة تفكيكية حيادية تكشف ما ينطوي عليه الخطاب العربي من هفوات وحداثة شكلانية، ولكن ما يحتاج إليه مشروع الغذامي هو أن يلقى الصدى والاهتمام والاحتضان الذي يسعى إلى التحاور معه والإفادة منه كي تبث الروح في مثل هذه المشاريع الفردية الساعية إلى إعادة الاعتبار إلى العقل العربي والنهوض بالخطاب العربي.

- مرحباً ...

- إن الصدى والاهتمام والاحتضان الذي يسعى عبدالله الغذامــــي إليـه , يتطلب هضمـــــاً وقبولاً من قبل المتلقي , لن أقول المتلقي المثقف ولكن يخرج من هذا الحيز إلى مســـــاحة و عقول المتلقي العادي والذي يشكل أكثر من ثلثي مجتمعاتنا العربية على حد العموم , ومجتمعنا السعودي على وجه الخصوص .

- حيـّــــــــــاك .