العلمانية كيف بدأت و كيف ستنتهي؟

إن أي مرض تريد أن تقضي عليه، عليك أولا أن تتعقب أسبابه و تاريخ ظهوره، حتى تستطيع أن تكتشف العوامل و التغيرات التي أوجدته. فالعلمانية هي بلاء أبتليت به الأمة و لن نستطيع محاربتها حتى نعلم متى و أين و كيف نشأت (كفكر و كقوانين).

إن العلمانية هي الوليد الطبيعي للدولة الحديثة. فأوربا التي أعلن مفكروها و ملوكها الحرب على بابا روما كانوا يريدون إيجاد بناء يقتل في عوام الناس الولاء و التبعية لبابا روما، و ليس للدين المسيحي. فتفتقت عبقريتهم على فكرة الدولة الحديثة التي تقوم على أسس معينة واضحة وهي :
- أن يكون ولاء الفرد لوطنه الإقليمي فقط من دون بلاد الدنيا جمعاء
- أن تكون مصالح وطنه القومي و أفراده فوق كل إعتبار، و هي المهيمنة على أفكاره و مشاعره و تصرفاته
- أن يكون ولاءه و حميته لكل أفراد وطنه الجديد أين كانت ديانتهم (تذكروا مبادىء الثورة الفرنسية العدل- الإخاء- المساواة)

كل هذه الأهداف هي التي دفعت المشرعين الأوربيين و بتأييد من الملحدين إلى إستبدال القوانين الدينية بقوانين جديدة (عرفت في ما بعد بالقوانين العلمانية) التي تقوم على خدمة و تكريس أهداف ووجود الدولة الحديثة، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك و هو تغيير قوانين المواطنة لتقوم على أساس الإنتماء للإقليم فقط. لقد أراد الأوربيون إنجاح فكرة الدولة الحديثة بأي ثمن، و لكنهم لم يدركوا أنهم و إن كانوا قد نجحوا بهذه الدولة الحديثة أن يدمروا سلطان بابا روما على الناس و أن ينتصروا للعلم و التقدم و التكنولوجيا، غير أنهم خسروا هيبة الدين و مكانته و قوانينه لصالح العلمانية، و إلى الأبد.

و ماحدث في أوربا حدث في بلاد المسلمين بذات الترتيب تقريبا. فالعلمانية ليست هي التي أوجدت الدولة الحديثة، و لكن ظهور الدولة الحديثة هو الذي أوجد العلمانية. و الدولة الحديثة و إن كانت أكثر تعقيدا من الدولة القديمة إلا أن المتبصرين فيها بعقلانية و تمعن يدركون أن الإختلاف الوحيد بينهما يكمن في قوانين المواطنة لا غير، و ماعدا ذلك فهو نتاج طبيعي لتغيير قوانين المواطنة. ففي الدولة القديمة كانت المواطنة تقوم على أساس الإنتساب للدين، بينما هي اليوم على تقوم على أساس الإنتساب للإقليم.

و إعلموا أن العلمانية في بلادنا لن تزول بمنطق الحوار و لا بقوة السلاح، فإذا كانت العلمانية تستمد قوتها و إنتصاراتها من دعم دول الكفر لها، فإنها تستمد ماهو أخطر من ذلك، ألا وهو حقها في الوجود و في أن تكون خيارا من الخيارات الممكنة، من إعترافنا بوجود الشعوب الإقليمية و إنتسابنا إليها و موافقتنا على قوانين المواطنة الإقليمية التي حولت ممالك المسلمين القديمة (في دولة المسلمين الواحدة) إلى دول بكل معنى الكلمة.

فإلى الغيورين على هذا الدين .. أما آن الأوان أن نثور على قوانين المواطنة الإقليمية أولا و نغيرها و نعيدها إلى ماكانت عليه، قبل أن نفكر أو نتأمل بتحقيق النصر و العزة لهذا الدين؟

[ إن الله لا يغر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ]

شكراَ لك أخي طه66