صور من حياة الصحابه (8) ابوعبيده بن الجراح

كان ابو عبيده بن الجراح .. وضيئ الوجه ، بهي الطلعه ، نحيل الجسم ، طويل القامه ، خفيف العارضين ..

ترتاح العين لمرآه ، وتانس النفس للقياه ، ويطمئن اليه الفؤاد

كان الى ذلك رقيق الحاشيه ، جم التواضع ، شديد الحياء ، لكنه كان اذا حزب الامر ( اشتد الامر ) وجد الجد

يغدو وكانه الليث عاديا ، فهو يشبه نصل السيف رونقا وبهاء ، ويماثله حدة ومشاء

ذلكم هو امين امة محمد عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري القرشي المكنى بابي عبيده


نعته عبدالله بن عمر رضي الله عنه فقال ..

(( ثلاثة من قريش اصبح الناس وجوها ، و احسنهم اخلاقا ، و اثبتها حياء ، ان حدثوك لم يكذبوك ، و ان

حدثتهم لم يُكذبوك : ابو بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، و ابو عبيده بن الجراح ))


كان ابو عبيده من السابقين الاولين الى الاسلام ، فقد اسلم في اليوم التالي لاسلام ابي بكر ، وكان اسلامه

على يدي الصديق نفسه ، فمضى به و بعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالارقم بن ابي الارقم الى

النبي صلى الله عليه وسلم فأعلنوا بين يديه كلمة الحق ، فكانوا القواعد الاولى التي اقيم عليها صرح الاسلام العظيم

عاش ابو عبيده تجربه المسلمين القاسيه في مكه منذ بدايتها الى نهايتها ، وعانى مع المسلمين السابقين

من عنفها و ضراوتها ، والآمها و احزانها مالم يعانيه اتباع دين على ظهر الارض ، فثبت للابتلاء وصدق الله

ورسوله في كل المواقف ، لكن محنة ابي عبيده يوم ( بدر )فاقت في عنفها حسبان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين

انطلق ابو عبيده يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لايهاب الردي ، فهابه المشركون ، ويجول جولة من

لايحذر الموت ، فحذره فرسان قريش وجعلوا يتنحون عنه كلما واجهوه لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لابي

عبيده في كل اتجاه ، فكان ابو عبيده يتحرف عن طريقه ويتحاشى لقاءه ، ولج الرجل في الهجوم ، و اكثر

ابو عبيده من التنحي وسد الرجل على ابي عبيده المسالك ووقف حائلا بينه وبين اعداء الله ، فلما ضاق به

ذرعا ضرب راسه بالسيف ضربه فلقت هامته فلقتين فخر الرجل صريعا بين يديه

لاتحاول ايه القارئ الكريم ان تخمن من يكون الرجل الصريع

اما قلت لك : ان عنف التجربه فاق حسبان الحاسبين ، و جاوز خيال المتخيلين ..

قد يتصدع رأسك اذا عرفت ان الرجل الصريع هو عبدالله بن الجراح والد ابي عبيده

لم يقتل ابو عبيده اباه ، انما قتل الشرك في شخص ابيه

فأنزل الله سبحانه في شأن ابي عبيده وشأن ابيه .. قرآنا فقال علت كلمته ..

(( لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا اباءهم او ابناءهم

او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من

تحتها الانهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون ))

لم يكن ذلك عجيبا من ابي عبيده ، فقد بلغ من قوة ايمانه بالله ونصحه لدينه و الامانه على امة محمد

مبلغا طمحت اليه نفوس كبيره عندالله

حدث محمد بن جعفر ، قال : قدم وفد من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

فقالوا : يا ابا القاسم ابعث معنا رجلا من اصحابك ترضاه لنا ليحكم بيننا في اشياء من اموالنا اختلفنا فيها

فانكم عندنا معشر المسلمين مرضيون

فقال رسول الله صلى اللى عليه وسلم ( ائتوني العشية ابعث معكم القوي الامين )

قال عمر بن الخطاب .. فرحت الى صلاة الظهر مبكرا ، و اني ما احببت الامارة حبي اياها يومئذ رجاء ان اكون
صاحب هذا النعت

فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، جعل ينظر عن يمينه وعن يساره ..

فجعلت اتطاول له ليراني ، فلم يزل يقلب بصره فينا حتى راى ابا عبيده بن الجراح ، فدعاه ..

فقال : ( اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه )

فقلت : ذهب بها ابو عبيده

ولم يكن ابو عبيده امينا فحسب ، وانما كان يجمع القوه الى الامانه ..


وقد برزت يوم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة من اصحابه ليتلقوا قافلة لقريش ، و امر عليهم

ابا عبيده رضي الله عنهم وعنه ، و زودهم جرابا من تمر لم يجد لهم غيره ، فكان ابو عبيده يعطي الرجل

من اصحابه كل يوم تمره ، فيمصها الواحد منهم كما يمص الصبي ضرع امه ، ثم يشرب عليها ماء ، فكانت
تكفيه يومه الى الليل



وفي يوم ( احد ) حين هزم المسلمون وطفق صائح المشركين ينادي : دلوني على محمد .. دلوني على محمد

كان ابو عبيده احد الجماعه العشره الذين احاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ليدفعوا عنه بصدورهم رماح

المشركين ، فلما انتهت المعركه كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد كسرت رباعيته وشج جبينه ، وغارت

في وجنته حلقتان من حلق درعه ، فأقبل عليه الصديق يريد انتزاعهما من وجنته فقال له ابو عبيده .. اقسم عليك

ان تترك ذلك لي ، فتركه ، فخشي ابو عبيده ان اقتلعهما بيده ان يؤلم رسول الله صلى الله عليه وسلم

فعض على اولاهما بثنيتيه ( اسنانه الاماميه ) عضا قويا محكما فاستخرجها و وقعت ثنيته ، ثم عض على الاخرى

بثنيته الثانيه فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانيه ..

قال ابو بكر .. ( فكان ابو عبيده من احسن الناس هتما ( الاهتم : من انكسرت ثناياه)

لقد شهد ابو عبيده مع رسول الله صلوات الله عليه المشاهد كلها منذ صحبه الى ان توفي

فلما كان يوم السقيفه ( يوم بيعة ابو بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعده ) ، قال عمر بن الخطاب

لابي عبيده .. ابسط يدك ابايعك ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ..

( ان لكل امة امينا ، و انت امين هذه الامه )

فقال ابو عبيده .. ماكنت لاتقدم بين يدي رجل امره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأمن في الصلاة فأمنا حتى مات

ثم بويع بعد ذلك ابي بكر الصديق فكان ابو عبيده خير نصيح له في الحق ، و اكرم معوانٍ له على الخير

ثم عهد ابو بكر بالخلافه من بعده الى الفاروق ، فدان له ابو عبيده بالطاعه ، ولم يعصه في امر الا مرة واحده

فقد وقع ذلك حين كان ابو عبيده بن الجراح في بلاد الشام يقود جيوش المسلمين من نصر الى نصر حتى

فتح الله على يده الديار الشاميه كلها .. فبلغ الفرات شرقا و آ سيا الصغرى شمالا ، عند ذلك داهم بلاد الشام

طاعون ما عرف الناس مثله قط ، فجعل يحصد الناس حصدا ..

فما كان من عمر بن الخطاب الا ان وجه رسولا الى ابي عبيده برساله يقول فيها ..

اني بدت ( ظهرت ) لي اليك حاجه لاغنى لي عنك فيها ، فان اتاك كتابي ليلا فاني اعزم عليك ( اطلب منك بالحاح

وقوه و اقسم عليك ) الا تصبح حتى تركب الى ، و ان اتاك نهارا فاني اعزم عليك الا تمسى حتى تركب الي

فلما اخذ ابو عبيده كتاب الفاروق قال ..

قد علمت حاجة امير المؤمنين الى ، فهو يريد ان يستبقي من ليس بباق ، ثم كتب اليه يقول ..

يا امير المؤمنين ، اني قد علمت حاجتك الى ، واني في جندٍ من المسلمين ولا اجد بنفسي رغبة من

الذي يصيبهم ( اي لا ارغب في ان احفظ نفسي مما يصيبهم ) ولا اريد فراقهم حتى قضي الله في وفيهم امره

فاذا اتاك كتابي هذا فحللني من عزمك ،، و ائذن لي بالبقاء

فلما قرا عمر الكتاب بكى حتى فاضت عيناه ، فقال له من عنده لشدة ما رأوه من بكائه ..

امات ابو عبيده يا امير المؤمنين ؟

فقال : لا ، ولكن الموت منه قريب

ولم يكذب ظن الفاروق ، اذا مالبث ابو عبيده ان اصيب بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة اوصى جنده ..

فقال : اني موصيكم بوصية ان قبلتموها لن تزالوا بخير ..

اقيموا الصلاة ، و اتوا الزكاة ، و صوموا شهر رمضان ، وتصدقوا ، و حجوا ، و اعتمرا ، و تواصوا

و انصحوا لامرائكم ولا تغشوهم ولاتلهكم الدنيا ، فان المرء لو عمر الف حول ما كان له له بد من ان

يصير الى مصرعي هذا الذي ترون

ان اله كتب الموت على بني ادم فهم ميتون ، و اكيسهم اطوعهم لربه ، و اعلمهم ليوم معاده

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ثم التفت الى معاذ بن جبل .. وقال : يا معاذ صل بالناس

ثم مالبث ان فاضت روحه الطاهره ، فقام معاذ وقال ..

ايها الناس : انكم قد فجعتم برجل والله ما اعلم اني رأيت رجلا ابر صدرا ، ولا ابعد غائلة

( الغائله : هي الشر و الحقد الباطن ) ولا اشد جبا للعاقبه ، ولا انصح للعامة منه

فتراحموا عليه يرحمكم الله

//


قصص سابقه

سعيد بن عامر الجمحي .. الطفيل بن عمر الدوسي .. عبدالله بن حذافه السهمي

ثمامه بن اثال .. ابو ايوب الانصاري .. عمرو بن الجموح .. عبدالله بن جحش

جزاك الله خير سديم

الله يعطيك العافيه .. الاغر ..

شكرااا للمتابعه
.
.
.

.
.
.

رضي الله عن أمين هذه الأمة .... أبو عبيدة عامر بن الجراح ...


رجال كالجبال ....


علم وايمان وعمل ....


ذلك خير القرون .... صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...


جزاك ِ الله خيرا ً سديم ..

................................
....................
...

جزاك الله خير

ملجلج / الشامخه

الله يعطيكم العافيه
.
.
.