عرض مشاركة واحدة
قديم 02 / 08 / 2009, 44 : 10 AM   #38
wafei 
مدير عام المنتديات

 


+ رقم العضوية » 1
+ تاريخ التسجيل » 16 / 04 / 2001

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 37,664
+ معَدل التقييمْ » 10199
شكراً: 265
تم شكره 102 مرة في 99 مشاركة

wafei غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مذكرات : مغتربة في الأفلاج ...

/



مذكرات مغتربة في الأفلاج (21)
وما جنيت على أحد


ما سوف أكتبه هنا في هذه الحلقة وفي الحلقة التي تليها تحديدا قد لا يروق للمغتربات كثيرا وقد يتهمنني بالكذب كما قد يتهمني الكثير بأنني أكتب من وحي الخيال وأنني متأثرة بأحد الأفلام الهندية.. فليقل الجميع ما يريدون لكنها الحقيقة التي ليس لها إلا وجه واحد يأبى إلا الظهور واضحا جليا مهما كان بشعا ومأساويا..
على كل حال فرحتي بالإجازة أنستني العناء الذي تكبدته من أجل الحصول عليها بقيت بجانب أمي ثلاثة أسابيع أعتني بها وألبي احتياجاتها وكانت أمي كل يومين أو ثلاثة تقول لي (روحي لشغلك يا بنتي لا يفصلونك) فأقول لها اطمئني أنا عندي إجازة لمرافقتك فتدعو أمي المسكينة بدعواتها الطيبة لمن منحني هذه الإجازة، تماثلت أمي للشفاء، واخضرّت حديقة منزلنا الصغيرة وعادت لها الحياة فأنا أسقي ورودي كل يوم. انتهت الإجازة وحزمت أمتعتي للرحيل.. ودّعت أمي وهي تحبس دموعها عني وغادرت إلى الأفلاج، فور دخولي إلى المدرسة أحاطت بي طالباتي (وجه الأفلاج المشرق) وفي عيونهن اللهفة فمنهن من عرفت بمرض أمي ومنهن من اعتقدت أنني مريضة ومنهن من تسأل عن السبب، وجدت لهن العذر جميعا في احتضاني وتقبيلي (عسى ما شر يا أستاذه طولتي الغيبة)، أحسست بإحساس غريب لأول مرة أجربه في حياتي أحسست بأنني في الخمسين من عمري وهؤلاء جميعا بناتي، كنت أود لو احتضنتهن جميعا وافترشنا الأرض لأستوعب أحاديثهن التي رفضت الانتظار حتى موعد الحصة (كيفها أمك يا أستاذه؟ صحيح معها القلب؟ وليه جيتي وتركتيها؟ فأرد (جيت عشانكم اشتقت لكم) فتنفرج أساريرهن ويمازحنني كالعادة لا يا أستاذة قوليها لنا بالشرقاوي كيف تقولونها فأرد باسمة (ولهت عليكم حيل) فيبتسمن ويرددن ضاحكات (واحنا ولهنا عليك) وتنهال أحاديثهن البريئة (راجعت لنا أستاذة أماني.. بس نفهم عليك أكثر)، (الاختبار كان صعب يا أستاذه) (كل يوم نقول الله يجيب استاذه شيخة بالسلامة)..


دخلت إلى الإدارة وكانت نظرات المديرة تتجه نحوي كقذائف من نار (تتحديني ياشيخه؟ ما عطيتك إجازة برضاي أخذتيها غصب؟ تدرين إنك ورطتيني في المناهج؟) فهمت مغزى حديثها وسبب غضبها قلت لها أولا كنت مريضه ثانيا أنا حملت مناهج زميلاتي وقت غيابهن فلا ضير إن حملن مناهجي وقت غيابي ثم إننا على أبواب الاختبارات وكنت قد أنهيت المناهج قبل مغادرتي ماعدا درساً من هنا ودرساً من هناك..

لكن المديرة منذ ذلك اليوم وهي تضع لي العقدة في المنشار، تتصيد علي الأخطاء وتكلفني بالكثير من الأعمال وتفتعل المشاكل وكنت أعد الأيام حتى تنتهي فترة الاختبارات ونعود إلى أهلنا، حتى جاء أسبوع ما قبل الإجازة وكان السائد هناك بين المديرات أن تغادر المغتربات فور انتهاء أعمالهن حتى لو انتهين من عملهن يوم الأحد. إلا أن هذا الأمر راجع لتقدير المديرة.

غادرت المغتربات جميعهن إلا أنا وكل يوم أقول لهذه المديرة المستبدة لا عمل لدي دعيني أغادر مع زميلاتي لم يتبق أحد معي في الشقة.. فترد (دوامنا ما انتهى)
حتى ليلى أنهت أعمالها يوم الاثنين لكنها رفضت أن تسافر مع كل المعلمات وتتركني وحيدة فلم يتبق في شقتنا غيري بعد أن سافرت سلمى..
بتنا آخر ليلتين وحدنا في الشقة نبكي حينا ونتضرع إلى الله حينا آخر وتلعب بنا الوساوس أحيانا كثيرة. لم أصدق أن اليوم هو الأربعاء حملنا أمتعتنا وغادرنا مع أبو رعد إلى مكان وقوف الباص، ركبنا.. تلفتنا يمينا ويسارا لا يوجد أحد سوانا. انتظرنا ربما يأتي أحد لكن دون جدوى فكل المعلمات غادرن منذ بداية الأسبوع. سألني أحد السائقين (ما تعرفون أحد جاي عشان ماننتظر عالفاضي) قلت لا. خاطب زميله: مشينا.


كنت حتى اللحظات الأخيرة أحادث نفسي بالعودة والانتظار لكن.. ماذا بعد؟ من سيأتي ليأخذنا؟ لا أحد. تحرك الباص.. استخرجت المصحف من حقيبتي وبدأت بتلاوة القرآن حتى أقتل الوقت والتفكير قبل أن يقتلاني. كنا في المقاعد الأخيرة ونرقب تحركات السائقين عن بعد.. وبعد مضي أربع ساعات كاملة بدأت أشعر بحركات غريبة بين السائقين، دار بينهما حديث هامس لعدة دقائق. أخبرت ليلى بما انتبهت له، لكنها قالت لي أنت واهمة، كل شيء طبيعي (وذولا عيال ناس ومن جماعتنا نعرفهم ويعرفونا) لكنها لم تقنعني بدأ الخوف يتسرب إلى نفسي، بعد بضعة دقائق جاء أحدهما إلى الخلف سألنا (محتاجين شي؟) ارتعدت فرائصي.. قلت أنا لا.. قال.. ولا ماء؟ رددت متجهمة ولا شي شكرا.


  رد مع اقتباس