عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 07 / 2006, 19 : 06 PM   #3
المهند الطيب 
وئامي نشيط

 


+ رقم العضوية » 19830
+ تاريخ التسجيل » 03 / 07 / 2005

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 822
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

المهند الطيب غير متواجد حالياً

افتراضي

وعندما تم إعلان الدولة، انتقل كثير من الصلاحيات التي كانت من اختصاص المنظمة إلى الحكومة الإسرائيلية المؤقتة (مثل الدفاع والداخـلية والخارجـية والمالية والمواصلات والتجارة والصناعة). وتم استبعاد الصهاينة التوطينيين من إدارة الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها من المستوطنين. وكان رد المنظمة هو المطالبة بمبدأ الفصل بين الحكومة والمنظمة، أي أن يستقيل من المنظمة أعضاء حكومة المستوطنين الذين كانوا متمسكين بمناصبهم في اللجنة التنفيذية. وكان لهذا صدىً عنيف في سبتمبر عام 1948. وقد انتخب المجلس الصهيوني العام الذي انعقد في العام نفسه لجنة تنفيذية صهيونية موزعة على مركزين أولهما في إسرائيل والآخر في نيويورك، ولكن أبا هليل سيلفر رئيس فرع اللجنة في نيويورك سرعان ما استقال (عام 1949) نتيجة الضغط الإسرائيلي المتزايد الرامي إلى تحجيم المنظمة وتقليص دورها من خلال المنظمات اليهودية (غير الصهيونية). وقد حل ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي محل سيلفر في رئاسة اللجنة التنفيذية في نيويورك، وآذن ذلك ببداية جولة جديدة وحاسمة من المواجهة مع الدولة انتهت بخسارة المنظمة.

ولا شك، كما أسلفنا، في أن جزءاً كبيراً من الصراع بين المنظمة وإسرائيل كان انعكاساً لتفجُّر التناقضات الكامنة بعد قيام الدولة بين الصهاينة التوطينيين (الذين ينظرون إلى الهجرة باعتبارها عملية برجماتية ذرائعية يقوم بها من يحتاج إليها) والصهاينة الاستيطانيين (الذين ينظرون إلى الهجرة لا باعتبارها مسألة عقائدية فحسب وإنما باعتبارها أمراً أساسياً لتحقيق الهوية اليهودية وضمان استمرار المشروع الصهيوني). ومع إعلان قانون العودة عام 1950 (بكل ما ينطوي عليه من ربط بين الهوية والهجرة)، أصبح على الصهيوني الذي لا يهاجر أن يسوِّغ موقفه أمام نفسه وأمام يهود الخارج ومستوطني الداخل. وقد انعقد المؤتمر الصهيوني الثالث والعشرون عام 1951 في القدس بهدف التوصل إلى تعريف للصهيونية يحل محل تعريف برنامج بازل ولتحديد مهام وصلاحيات المنظمة الصهيونية وإطار العلاقة بينها وبين الدولة. وقد أقر المؤتمر، فيما عرف باسم «برنامج القدس»، مهمات الحركة الصهيونية باعتبارها: تدعيم دولة إسرائيل وتجميع المنفيين في أرض إسرائيل وتأمين وحدة الشعب اليهودي. وقد دعم هذا التعريف خط إسرائيل مقابل خط المنظمة، إذ جعل أولى المهام الواردة فيه دعم دولة إسرائيل وهو ما يلمح بقوة إلى مركزية إسرائيل في العمل الصهيوني. أما المهمة الثانية فكانت تجميع المنفيين في أرض إسرائيل أي تأكيد مطالب بن جوريون المستمرة بجَعْل الهجرة إلى إسرائيل الدليل الحاسم على صهيونية أي زعيم أو فرد من أبناء الشعب اليهودي.

وفي الوقت نفسـه، كان هذا التعريف يتسـم بقـدر كاف من المراوغة، وهو ما جعله يحظى بإجماع الجميع، فعبارة «وحدة الشعب اليهودي» قد تعني وحدة روحية (التفسير التوطيني) أو تعني وحدة قومية (التفسير الاستيطاني)، كما أن عبارة «تجميع المنفيين» قد تشمل اليهود الذين يحتاجون إلى الهجرة الفعلية دون غيرهم ممن لا يعتبرون أنهم في المنفى (التفسير التوطيني) وقد تشمل جميع أعضاء الجماعات اليهودية (التفسير الاستيطاني).

ولكن ذلك لم يكن يعني نهاية الاحتكاك والتوتر بين المنظمة وإسرائيل، فقد حاول الصهاينة التوطينيون تأكيد دورهم المستقل. فالهجرة ـ في تصوُّرهم ـ ليست بالضرورة الترجمة العملية الوحيدة للصهيونية، وفي وسع المنظمة بعد أن قامت بتأسيس الدولة أن تستمر في الدفاع عنها وأن تضطلع بوظائف لا تستطيع الدولة القيام بها، كما كان بوسعها أن تتكلم باسم إسرائيل في الخارج. ومن هذا المنطلق، بدأ جولدمان (رئيس اللجنة التنفيذية الصهيونية ـ فرع نيويورك) يتحدث لا عن مبدأ فصل الصلاحيات الذي طالب به الصهاينة الأمريكيون عشية قيام الدولة ولكن عن مبدأ المشاركة بين الدولة والشعب اليهودي، كما طالب بتحقيق قدر من الخطط الصهيونية وأن تقيّم إسرائيل سلوكها من منظور أهداف المنظمة وأماني الشعب اليهودي. وقد لخصت المعركة نفسها في عدة اقتراحات مثل المطالبة بانضمام ممثل مراقب من المنظمة للحكومة الإسرائيلية ومنح المنظمة مركزاً قانونياً خاصاً بها. وقد اقترح جولدمان أن تصبح المنظمة الممثل الوحيد للشعب اليهودي في إسرائيل وأن يتم كل شيء من خلالها (فلا تنشئ حكومة المستوطنين علاقة مباشرة مع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم). ويعني كل هذا في نهاية الأمر أن تصبح المنظمة ممثلة للشعب اليهودي خارج فلسطين، الأمر الذي يعني استقلالها عن حكومة المُستوطَن.

أما بن جوريون فقد وصف المنظمة بأنها بمنزلة السقالة اللازمة لبناء الدولة والتي لم يَعُد لها لزوم الآن، ولكنه رأى في الوقت نفسه إمكانية استخدامها وتوظيفها كأداة طيعة تسهم في تطويع بقية يهود العالم وتقديم المسـاعدات السـياسية والمالية والبـشرية لإسـرائيل. ومن هنا، أقر الكنيست عام 1952 قانون وضع أو مكانة المنظمة الصهيونية/ الوكالة اليهودية، وهو ما عُرف باسم «قانون الحالة أو المكانة» (بالإنجليزية: ستيتاس لو Status Law). ويشير إليه الدكتور أسـعد عبد الرحـمن على أنه «القانون التشريعي» أو «القانون الشرعي». وقد نص القانون على اعتراف الدولة الصهيونية بالمنظمة كوكالة مُخوَّلة السلطات (لا كمنظمة تمثل الشعب اليهودي) تابعة للدولة وتعمل داخل الكيان الصهيوني. والعبارة الجديدة، تجرد المنظمة من أية صفة تمثيلية وتجعلها مجرد أداة. وقد ورد في القانون عبارات ذات مغزى عقائدي تؤكد انتصار بن جوريون على الصهاينة التوطينيين، فالقانون يتحدث عن أن الدولة صنيعة الشعب اليهودي بأسره لا صنيعة المنظمة الصهيونية وحدها، لكن هذه قد تحملت المسئولية الأساسية في إقامة الدولة وتمثِّل طليعة الشعب اليهودي ومساعيه الرامية لتحقيق رؤيا الأجيال في العودة إلى الوطن. كما قرر القانون أن الواجب الأساسي لكل من المنظمة وإسرائيل هو تجميع المنفيين عن طريق تهجيرهم إلى إسرائيل. وقد حدَّد الميثاق الذي وُقِّع بين المنظمة وإسرائيل عام 1954، بشكل أكثر تفصيلاً، العلاقة بين الطرفين، حيث نص على أن وظائف المنظمة هي: تنظيم الهـجرة في الخــارج، ونَقْل المهاجـرين وممتلكاتهم إلى إسرائيل، والتعـاون في اسـتيعابهم وفي تشجيع استثمارات رأس المال الخاص فيها، والتنسيق بين نشاطات المؤسسات والمنظمات اليهودية العاملة في حدود هذه المهام، على أن يُنفَّذ كل ذلك وفقاً لقوانين إسرئيل وتمشياً مع الأنظمة والتعليمات الإدارية. وكذلك تكوين مجلس للتنسيق بين المنظمة والدولة الصهيونية. وبذلك، نجح الصهاينة الاستيطانيون في تقليص دور المنظمة تماماً، وفي استبعادها من نطاق العمل السياسي وتحويلها إلى أداة تنحصر وظيفتها في البحث عن دعم إسرائيل دون الحق في الاشتراك في تخطيط السياسة الداخلية أو الخارجية ودون الحق في تمثيل يهود العالم في جميع المجالات. وهي أداة قد تكون مهمة بحكم تكوين الدولة التي لا يمكنها الوصول إلى الجماعات اليهودية لأن سلطتها تنحصر داخل حدودها، ولكنها مع هذا تظل أداة أو هيئة مُفوَّضة من قبل حكومة إسرائيل.

  رد مع اقتباس