عرض مشاركة واحدة
قديم 22 / 07 / 2006, 22 : 06 PM   #5
المهند الطيب 
وئامي نشيط

 


+ رقم العضوية » 19830
+ تاريخ التسجيل » 03 / 07 / 2005

+ الجنسْ »

+ الإقآمـہ »

+ مَجموع المشَارگات » 822
+ معَدل التقييمْ » 10
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة

المهند الطيب غير متواجد حالياً

افتراضي

وقد كان أحد أهم التغييرات التي أسفرت عنها عملية قيساريه هو نقل واحدة من أهم مهام المنظمة الصهيونية العالمية (وخصوصاً منذ عملية الفصل الصوري بين المنظمة والوكالة عام 1971) أي نقل مهمة الإشراف على التعليم اليهودي والصهيوني لأبناء الجماعات اليهودية خارج إسرائيل (النشاط الأيديولوجي للمنظمة) إلى الوكالة اليهودية. وقد تقرَّر بالفعل (عام 1988) تكوين هيئة التعليم اليهودية التابعة للوكالة اليهودية لتضم البرامج التعليمية الخاصة بالوكالة (داخل إسرائيل) والمنظمة (خارج إسرائيل)، واتُخذت خطوات لتنفيذ هذا القرار عام 1990. وهذا، في الواقع، يعني تجريد المنظمة الصهيونية العالمية من إحدى وظائفها الأساسية وتقليص أهميتها إلى درجة كبيرة، كما يعني تزايد هامشيتها في حياة الجماعات اليهودية. وبالفعل، نجد أنه، مع فتح بلاد أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي أمام نشاط المنظمات اليهودية والإسرائيلية منذ عام 1990، رفض ممثلو الجماعات اليهودية ومنظمات الجباية أن تقوم المنظمة الصهيونية بالإشراف على برامج التعليم بين الجماعات اليهـودية في هـذه الدول، وأصـرت على أن تتولَّى الوكـــالة هذه المهمة. ولا شك في أن ثمة اتجاهاً قوياً نحو تزايد تهميش المنظمة في ظل أزمة الصهيونية الراهنة المتمثلة في انخفاض وتائر الهجرة اليهودية إلى إسرائيل (قبل فتح أبواب الهجرة أمام اليهود السوفييت منذ عام 1989) وإلى تزايد النزوح عنها وتفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل إسرائيل. كما تتمثل أزمة الصهيونية في التوتر بين إسرائيل والجماعات اليهودية، خصوصاً في الولايات المتحدة خلال حكم الليكود، وذلك نتيجة إثارة قضية ازدواج الولاء والانتـفاضة الفلسـطينية والتطـرف الدينــي والموقـف من الســلام في الشـرق الأوسـط. وبالإضافة إلـى ذلك، نجد أن عضوية المنظمــة الصهيـونية لم تتجاوز أبداً نسبة 10% من مجموع يهود العالم.

وفي محاولة لإحياء وتقوية المنظمة الصهيونية وتقوية علاقتها بيهود العالم، أطلق آرييه دولتسين رئيس إدارة المنظمة/الوكالة (عام 1983) ما يُعرَف باسم «عملية هرتزليا» التي تتضمن إجراء حوارات ولقاءات في إسرائيل بين الجماعات اليهودية لإعادة تقييم ماهية الصهيونية ولتحويل الصهيونية إلى حركة تضم كل يهود العالم ("تحويل الصهيونية من حركة تحرير الشعب اليهودي إلى حركة مسئولة عن استمرار وجود الشعب اليهودي").

وفي عام 1986، وضع المجلس الصهيوني العام سلسلة من المعايير عُرفت باسم «متسفوت»، وهي كلمة عبرية تعني «الأوامر والنواهي» الدينية، فكأن المبادئ الصهيونية الجديدة هي بمنزلة الأوامر والنواهي الدينية. وتهدف هذه المبادئ أو المتسفوت الجديدة إلى تحديد المهام التي يجب أن يضطلع بها كل من يعتبر نفسه صهيونياً، وذلك حتى يمكن التمييز بين الأعضاء الحقيقيين للحركة الصهيونية وبين أصدقاء إسرائيل. وهذه المبادئ تقضي بأن يقوم أعضاء المنظمة الصهيونية بالبدء، هم وأسرهم، بالهجرة إلى إسرائيل. وحيث إن التعليم اليهودي أكبر ضمان للحفاظ على التراث اليهودي وتفرُّد الشعب اليهودي وتميُّزه، لذا يجب أن يزوِّد كل صهيوني نفسه وأولاده بتعليم صهيوني مكثف، وأن يشجع أولاده على الانضمام إلى حركات الشباب الصهيوني بل أن يكون جو المنزل نفسه ذا طابع صهيوني، ويجب على الصهاينة أن يجعلوا التقويم الصهيوني جزءاً عضوياً من حياتهم اليهودية بالإضافة إلى التقويم اليهودي. ويجب أن تصبح العبرية حلقة الوصل بين إسرائيل والدياسبورا، ومن الواجب على كل الصهاينة أن يجعلوا العبرية لغتهم. ويجب أن يكون هناك وجود صهيوني في حياة الجماعات اليهودية وخصوصاً في عمليات جمع التبرعات. ويجب أن يؤكد كل صهيوني التزامه بالدفاع عن حرية اليهود الذين يعيشون في ضيق في الهجرة إلى إسرائيل. ويجب على كل المؤسسات الصهيونية والمرتبطة بالحركة الصهيونية أن تجعل المتسفوت (الأوامر والنواهي) الصهيونية جزءاً من دساتيرها وبرامجها.

ورغم استخدام اصطلاح «متسفوت» بكل ما يحمل من رنة دينية صوفية، فإن هذه المطالب متواضعة للغاية وتحاول التوصل إلى حد أدنى يجمع بين التيار الإثني (الديني أو العلماني) والصهيونيتين التوطينية والاستيطانية. كما تقرَّر أن الالتزام بهذه الأوامر والنواهي يُعتبَر اختيارياً بالنسبة للأعضاء (أي أنها ليست في واقع الأمر «أوامر ونواهي» وإنما «توصيات»). كما أقر المؤتمر الحادي والثلاثون (1987) إقامة حركة عالمية لصهيونية تجسيدية (بالعبرية: مجشميم) لتضم منظمات الهجرة وحركات الشبيبة الصهيونية التي ستكون قدوة لسائر أعضاء الحركة من خلال تجسيد جوهر الصهيونية (أي الهجرة). ولكن هاتين المحاولتين لم تنجحا في إحياء الروح الصهيونية بين أعضاء المنظمة، وهو ما أدَّى إلى تلاشيهما تماماً بحلول عام 1990 وانتهائهما بدون نتيجة.

وخلال المؤتمر الحادي والثلاثين (1987)، نجح ممثلو منظمات الجباية اليهودية في فرض قيود صارمة على النواحي المالية للمنظمة كما تقلصت ميزانيتها إذ كانت الوكالة اليهودية تقوم بتوفير مواردها من 64 مليون دولار عام 1986/1987 إلى 49 مليوناً عام 1990/1991.

ومع انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني والثلاثين (1992) كانت المشاكل كلها لا تزال قائمة واستمر الحديث مرة أخرى عن ضرورة توثيق العلاقة بين الصهيونية (في الشتات) وإسرائيل وضرورة تقوية التعـليم اليهـودي وتعلُّم العـبرية ومركـزية إسرائيل في حياة الدياسبورا، وكأن الخطاب الصهيوني قد تحوَّل إلى ما يشبه التسجيل الممل، وهذا ما جعل كثيراً من المعلقين الإسرائيليين يطلقون التصريحات السلبية فشبه أحدهم الحركة الصهيونية بالعظام الجافة، وقال آخر إنه قد حان الوقت لإطفاء الأنوار وليذهب كلٌّ إلى حاله، وقال ثالث إن هذه ليست حركة صهيونية وإنما هي حركة أحباء صهيون أو حركة متبرعي صهيون. وقد لخص أحد مراسلي الإذاعة الإسرائيلية الموقف كله حين بدأ حديثه عن المؤتمر قائلاً: "هل ما زالت هذه المؤسسة قائمة؟" ومما يجدر ذكره أنه لم يجر انتخاب أيٍّ من المندوبين الذين حضروا إلى هذا المؤتمر.

ومما سبق، نرى أن وضع المنظمة أصبح هامشياً بالنسبة لكلٍّ من الدولة الصهيونية والجماعات اليهودية، وهو ما يثير مرة أخرى الجدل في شأن مبرر استمرار بقائها. وليس مصادفة أن المبرر الرسمي الذي يعطى اليوم لبقاء الوكالة اليهودية هو كونها الهيئة الوحيدة القادرة على أن تشكل قناة لتحويل الأموال من المتبرعين اليهود، وخصوصاً في الولايات المتحدة، إلى دولة لا يحق لها جمع مثل هذه التبرعات (الدولة الصهيونية).

  رد مع اقتباس