مما يُقال عن أسباب نجاح التاجر الناجح انه يقوم بالمراجعة المستمرة لعمله، وتقييم ذلك، ثم يقوم بالتعديل اللازم إذا رأى أن هناك قصوراً في الأداء، أو أن هناك مجالاً لتحسين ذلك وبالتالي زيادة انتاجه فيزداد العائد المادي له.
إن التجارة الدنيوية فيها الكثير من التعب والنصب، وفيها الكثير جداً من القلق في النهار والليل نظراً لكثرة المتنافسين ومحدودية الأسواق.
ولكن هناك تجارة أخرى مضمونة الربح الوفير، وفيها الكثير من راحة النفس ولا مجال للقلق فيها، وهذه التجارة متاحة طوال العام، ولكنها أكثر مردوداً في مواسم معينة، حيث تكون العروض فيها كثيرة ومتاحة للجميع.
تلك التجارة هي التجارة مع الله من خلال طاعته فيما أمر واجتناب النواهي، والبذل والعطاء بكافة أنواعه لتكون النتيجة المضمونة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111].
وشهر رمضان من أكثر مواسم الخير المتاحة لكل المسلمين، فهذا الشهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار.
نعيش اليوم الثلاثاء بداية النصف الثاني من هذا الشهر المبارك، ونحن مُطالبون اليوم وبشدة بأن يقوم كل منّا بتقييم عطاءه خلال ما مضى من أيام رمضان، ويعيد ترتيب أوراقه للأفضل.
لن أتحدث عن ما يجب على كلُ منّا أن يقوم به، فأنتم جميعاً أعرف منّي بذلك، ولكن المطلوب هو أن نتحسّن وأن نغتنم ما بقي من الشهر الكريم، وأن نكون بعد رمضان أفضل كثيراً مما كنا عليه قبله، فلو انتهى الشهر المبارك بدون أي تأثير إيجابي علينا، فهذا يعني بأن رمضان لم يُغيّر فينا أي شيء فنكون والعياذ بالله ممن ذكرهم صل الله عليه وسلم في الحديث الشريف في صحيح ابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: ((آمين، آمين، آمين))، فقال الصحابة: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين!!، فقال : ((إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له، فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، قلت: آمين)) [أخرجه ابن خزيمة وابن حبان].
إننا – وأنا الأول في ذلك - بحاجة إلى مراجعة علاقتنا مع الله وذلك من خلال أدائنا لعباداتنا كما يجب، بر الوالدين ، صلة الرحم، أداء الحقوق للغير، نقاء السريرة، مد يد العون للمحتاجين ، ورعاية الضعفاء ، قراءة وتدبر وحفظ القرآن الكريم، صلاة القيام ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ....
إن هذا الشهر المبارك فرصة حقيقية للاستثمار الرابح مع الله ، واللبيب يجب أن يعرف أن الفرص تُتاح ولكن قد لا تعود. فلنستثمر ما بقي لنا من أيام شهر الخيرات، ولنتزود لمعادنا قبل مماتنا، فنحن لا نعرف إذا ما كنا سندرك رمضان القادم أم لا.
تقبل الله طاعات الجميع ووفقنا لما فيه خيرنا في الدارين.
يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى :
عباد الله ، شهر رمضان قد انتصف .
فمن منكم حاسب نفسه فيه لله وانتصف .؟!