تغمض عينيها لتستعرض أحلاماً لا تنتهي ولا تقف عند حد , هكذا اعتادت أن تشغل نفسها ريثما يتغشاها النعاس فتنام ..
لا تذكر كيف لحّنت قصيدة أبيها التي اعتادت على أن تستمع إليه وهو يغنيها لها ..
في كل يوم كانت تصنع لحناً جديداً وتردد كلمات حفظتها منها ..
(( يا نجمتي الصغيرة ))
فتحت عينيها المغمضتين عمداً في محاولةٍ عابثةٍ لاستجداء النوم ...
نفخت هواءً بملء فيها , ثم أمسكت دميتها ذات الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين بيد , وبالأخرى رمت بلحافها لتنهض فتجلس ..
يزعجها النور الصادر من المصباح الذي بجانب سريرها , ويُخيفها الظلام !
سمّرت عينيها على المصباح تفكّر في طريقة تتخلص بها من إزعاجه لها لتتمكن من النوم بسلام ..
لحظات ثم استجمعت شجاعتها , وعزمت على فعلٍ لم تجرؤ على القيام به طوال سنيّ عمرها الست !
و بحزمٍ وقوةٍ مدّت يدها لتطفئ المصباح , ثم بحركةٍ خاطفةٍ أخرى تمتد يدها الصغيرة المرتجفة فتعود لتشعله ...
أنظارها الوجلة تتفقد المكان , وابتسامة شفتيها الجافتين ترتسم على وجهها الذي شحُب وغيّر الخوفُ لونَه ..
قالت تحدّث نفسها :
-الأشياء المخيفة دائماً تتبدى في الظلام ..كل شيءٍ قبيحٍ وسيئ يخاف الظهور في النور كي لا يراه الجميع .. النور دائماً أقوى ..
- حسناً .. فلأجرب هذا ....
قالت ذلك ثم أخذت لحافها وغطت المصباح بالكامل ..
- هكذا أفضل ...
احتضنت دميتها .. و استسلمت للنوم ..
دقائق تتابعت ..
أتى بعدها الأبُ الحنون العائد تواً إلى المنزل يتفقد ابنته كما كل ليلة ..
فهاله ما رأى ... نارٌ تشتعل بجانب سريرٍ يحتضن ملاكه النائم .. !
أخذ ينادي ابنته بأعلى صوته وهو يركض باتجاهها كالعاصفة ..
فاستيقظت الصغيرة , وألجمها ما ترى حولها ...
وأخذت ترتعش مثل طيرٍ صغيرٍ خائف , ولم تستطع إلا أن تمد ذراعيها باتجاه أبيها في انتظاره لينتشلها !
استجابت الأم للجلبة التي أحدثها الأب , والذي أودع ابنته بين ذراعي أمها ..
ليذهب ويخمد النار ...
....
لم يمر وقت طويل قبل أن تعود الصغيرة إلى حجرتها , وما أن دخلتها حتى أخذت تتقدم بخطوات وجلة وحذرة .. عيناها لا تتحول عن المصباح المسودّ , والغطاء المحترق مُـلقى بجانبه ...
وصلت لسريرها , ثم اختطفت دميتها , وبسرعة استدارت لتغادر حجرتها راكضة ..
اصطدمت بجسد أمها الواقف بلا حراك أمامها ..
عيناها تشتعل غضباً وقلقاً على ابنتها التي كادت أن تفقدها ..
أسكنت الصغيرة أنظارها على الأرض وقالت :
- آسفة يا أمي !
انحنت الأم على ابنتها وأمسكت بذراعيها النحيلتين وعيناها بركانان ثائران , وعلا صوتها :
- تصرف أحمق ....
كدت تحرقين نفسك والمنزل ... كدت أن تحرقيننا كلنا ..
إلى متى علينا أن نراقبك كما نراقب الأطفال الصغار ؟!!
ازداد تشبث الصغيرة بدميتها , وأخذت تميل برأسها للخلف ...
كان الأبُ واقفاً خلف الأم قبل أن تفلت الأمُ الصغيرةَ , وتترك الحجرة غاضبة بعدما قال :
- دعيها الآن يا عزيزتي ...
فقد عرفت بالتأكيد خطأها ..
وبعد أن تركت الأم المكان ..
ألقت الصغيرة دميتها أرضاً , وانطلقت لأحضان أبيها ..
ارتمت عليه , ومدامعها على خديها تسيل ...
شدها إليه , وأخذت تغرس رأسها في صدره بكل قوة ..
وبصوت تخنقه عبراتها تنفرج شفتاها عن كلمات متقطعة :