لم أهتم كثيراً بمسألة معرفة القطة* بوجود السمك* فى بيتي،كما لم أناقش سبب مجيئها إلى بيتي، ولعل هذا-وهو تخمين داخلى-يرجع إلى الصدفة، أو ان القطة كانت تتبعني وأنا أتجول فى سوق السمك*،او أن أحد الجيران ،وقد يكون صاحب هذه القطة، قد أرسلها إلى بيتي.
لم أعر أهتمامي أيضاً بالبحث عن سبب ولع القطط بأكل لحوم الأسماك،فقد يكون منذ سفينة نوح عليه السلام ولربما يوجد ثأر قديم للقطط يجب أن تمارسه ضد الأسماك كفعل أسترجاع لحق سلب.
حقيقة لم اهتم بهذه المسائل لأنها تدخل بين ثنايا عسى،لعل،وربما.
فالاحتمالات كثيرة، والأسباب وإن كانت عديدة فهى لاتهمنى فى شئ وإن بدا الأمر هكذا من وجهة نظر خارجية كانت نفسي من الداخل تبحث فيه وتقلبه.
والحقيقة فى أحايين عديدة، تبدو أو هى كذلك بعيدة المنال وعسيرة على القبض عليها،وإن بدت لنا قريبة جداً،وهى تحت أيدينا،نملك زمام أمرها ونطوعها لصالحنا.
فأنا هنا مثلاً،أقدر على القول،أننى كنت قادراً على منع القطة من دخول بيتي وأستطيع طردها خارجاً وهي تموء أولاً وتطلب مني السمك ثانياً وهذه حقيقة.
ذلك أن أى طفل فى الخامسة من عمره يمكنه أن يبعد عنه القطة بحركة من يده او بصرخة من فمه على سبيل المثال.
غير أن الحقيقة أننى لم أقدر على أن أقول للقطة قد نفد السمك من بيتي،أو أن السمك لم يدخل بيتي من بداية الأمر.
ما المشكلة فى هذا، وأى بطولة سأدعيها فى طرد قطة بغض النظر عن جنسها أو عن أصلها، أو ما إذا كانت أليفة تربيت فى أحد البيوت ، أو كانت قطة شوارعية.
مهما يكن من أمر، فهى على أية حال ليست إلا قطة فقط، يمكن أن يلعب بها طفل لازال يحبو، أو صبي يركض خلفها بين أزقة الحى.
إنها لاتعدو كونها قطة.
أليست هذه الحقيقة، جميعكم تقرون بها وتدركونها جيداً.
لكن ماذا لو أخبرتكم بأن هذه القطة، تتكلم ؟
نعم..لقد سمعتها بأذني داخل غرفة الجلوس....
لقد أمرتنى...
قم واعطني سمكة أتغدى عليها.
وجدتني انهض من مكاني أخطو باتجاه المطبخ وأخرج من البراد سمكة،ثم أضع السمكة فى طبق صغير وأضعه على الكرسي، وما إن فرغت من تقديم الوجبة حتى وجدتها تقفز على الكرسي وتسرع فى التهام السمكة.
بدت لى نمراً،أو ثعلباً على نحو ما وأسداً على شكل آخر وأنا أتابع طريقة أكلها الوحشية.
فقلت فى نفسي:
ماذا لو كنت فى مكان السمكة، وكانت القطة أسداً.
داهمني الفزع وركبني الذعر.
أضفت......
حسناً فعلت، تأكل السمكة وتنصرف عني.كان يمكن أن تكون المسألة على نحو يفنيني ويرسلني إلى القبر باكراً.
بدت لى القطة فى غاية الاستمتاع والسعادة وكان خوفي يتبدد شيئاً فشيئاً.
إن أكبر ما يخيفنا هو الموت وأكبر ما يجعلنا نقول نعم عندما ينبغي أن نقول لا هو حالة الجبن وممارسة الهروب من الموت حتى عند لحظة الموت نفسه.
فرغت من حديث نفسي لنفسي ، والقطة فرغت من أكل السمكة،ووجدتها تنسحب إلى الخارج بينما كنت أنسحب إلى فراش النوم.
تكرر مجئ القطة إلى بيتى حتى نفد السمك ولم أجد سمكة أقدمها لها.
خفت إخبارها بنفاد السمك وبعدم قدرتى على شرائه حاولت تحاشي الصدام معها، فقطعت إصبعي وقدمته لها.
فى الأيام القادمة بقيت بلا أصابع فقدمت لها يدي، وعند اليوم التالى منحتها ساعدي ثم يدي الاخرى.
القطة كل يوم تأتى لتقتل جوعها وأنا كل يوم أفقد جزءاً من جسدي.
قدمت أذني.
قلت فى نفسي:- ماذا هناك من أخبار سارة سأسمعها.
جدعت لها أنفي،وقالت لى نفسي:
أية روائح طيبة سوف تشمها؟
لم يعد لى شئ يمكن تقديمه لها الا شفتي ولساني،وبعد ذلك ليس أمامي الإ أن أضع روحى وتأكلها.
قال لى عقلي:
قل لها الحقيقة، فعلى أقل تقدير لازلت قادراً على الكلام، وإذا ما قررت أن تعطيها روحك فالأحرى بك أن تقدم نفسك لها على طبق ومن فضة هذه المرة.
أية فائدة من العيش بدون روح.
قلت لها:
نفــــــــــــد السمك ياقطة.
الحقيقة أنها لم تكن سوى قطة فقط، فلقد رأيتها بأم قلبي تنسحب وهي تشكرني بموائها وتخرج إلى الخارج دون أن تفعل أي شئ سوى أنها سوف تبحــــــــــــــــــث عن بيت آخـــــــــر تطلب من صاحبه وجبة غداء قد تكون سمكة فى أحسن الأحوال.
ماذا لو قلت لها منذ دخولها الأول.
ليس لدى سمك.
هذا ما لم أدركه بعد، كما لا يدرك أى أحد منكم سبب فقدان أجزاء من جسدي بما فى ذلك الذى تنبض به روحى ويتدفق منه دمى القاني،عندما تدخل عليه قطة وتطلب منه سمكة يرد عليها فى ثباث وثقة