مدينة.. "غير"!!

جريدة الرياض>منتدى الكتّاب> مقالات عامة > جهير عبدالله المساعد

مدينة.. "غير"!!

التاريخ: 7/25/2001 م

* شبه الجزيرة العربية على امتدادها ليس فيها حسب علمي المتواضع، ـ وآمل أن لا أقع بين مخالب الجغرافيين العظام. فينهالون عليّ باللوم والتقريع ـ ليس فيها من المدن "المليونية" غير الرياض، وجدة!

حيث يتجاوز عدد سكان العاصمة السعودية الثلاثة ملايين وربع المليون نسمة، ويتجاوز عدد سكان جدة (المرفهة) المليوني نسمة ونصف المليون أى نحو سبع إجمالي عدد سكان شبه الجزيرة العربية..

والرياض.. كما سمعت وعرفت.. تسعى للانضمام إلى مشروع مدن (البرويكتو).. وهذا ـ العزم ـ لي فيه حديث آخر في وقت لاحق بإذن الله ـ إذا لم يكن في الأمر "سر" ـ وإذا كان هناك (سر) لا يجوز افشاؤه.. انتظر إشارة واسحب كلامي بعد النشر!!!

وبمناسبة التفكير بالانضمام.. يحق لي التساؤل الغيور.. كيف تبرر العاصمة (الرياض) سعة أفقها المتطور.. إذا كان سكانها يفرون منها في مختلف المواسم صيف شتاء.. وإذا كانت برامجها "الجاذبة" لم تتفوق على الأخرى (الطاردة) في الجانب المعاكس؟!
غير أني.. معجبة بذلك البيت الشعري الرفيع الذي يقول..
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا!

أما.. جدة المتجددة.. فيقولون عنها في هذه الأيام (جدة غير).. يا سلام.. ليه غير؟!
هل لم تعد جدة في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية؟! وهل لم تعد على الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية؟... أو لم تعد ترقد على الساحل الشرقي للبحر الأحمر الممتد من الشمال إلى الجنوب... هل لم تعد تلك المدينة اللزجة التي يتصبب فيها العرق في كل الأوقات من الأجساد المتراصة على طول شوارعها الاسفلتية الساخنة؟

هل لم تعد حارة صيفاً وشتاء؟! "وخانقة" صبحاً وظهراً؟!! وهل تحولت من مدينة على البحر تغرق في أطنان الرطوبة.. إلى مدينة على الجبل تستقبل المطر وتهفهف فيها النسمات المنعشة..

في الحقيقة.. جدة هي هي جدة.. في موقعها وواقعها ورطوبتها وحرارتها وناسها السُّكَّر.. الذين لهم حلاوة السُّكَّر.. وطلاوة العسل.. ناس رايقة.. لا تحب أن تفسد روقانها بالأمزجة النارية التي تقلب السرور إلى نكد...!

إذن ما دامت هي هي.. يقولون (جدة غير) ليه؟!
لأن هذه هي الصناعة السياحية والصنعة الإعلامية.. التي تعصر "الليمون" وتحوله من حامض إلى شراب معسول يتهافت عليه الناس .. هذه هي الصناعة السياحية والصنعة الإعلامية الرامية إلى استثمار الواقع كما هو واقع واستغلال أحسن ما فيه، وتجميله شكلياً بزبرقة مبتكرة تضيف إليه شكلاً مغايراً يجذب العيون! وحتى ولو خلا مضمونه من القدرة على الاستحواذ والاستيلاء على النظرات.. والبصائر فإن الصنعة الإعلامية قادرة على تعويض الفاقد بدعاية مؤثرة تجعل كل ما تراه العين حسناً ولو لم تود!!! وبكثير من الجهود صار "حر" جدة "مصيفاً".. وصارت رطوبتها.. هدفاً! أي ان الواقع والموقع لم يتغيرا.. لكن الجهود هي التي تغيرت!! وفي هذا دليل يؤكد أن تحسين الواقع ممكن وليس تغييره... والجهود المباركة حاولت أن ترش على ذلك الواقع حبة (فذلكة) وقطرات رائحة عطرة.. ومزيداً من الاستنفار الدعائي والإعلاني... ثم قالوا (جدة غير)....!!!

لقد استنفروا الجهاز الإعلامي وسخَّروا الدعاية والإعلان.. وأنشطوا حركة الأسواق التجارية حتى أصبحت جدة الساخنة لطيفة على القلوب.. وممتعة للذين يبحثون عن تغيير شكلي في "روتينهم" اليومي المعتاد.. خاصة وأن موقعها بالقرب من المدن المقدسة استقطب العديد من الوافدين الذين يأتون لزيارة الحرمين الشريفين وأداء العمرة بين مرة ومرة.. وخاصة أىضاً أن سكان المدن الكبرى في المملكة العربية السعودية يتنفسون في جدة!!! ويعشقون أبها!! فالأولى مدينة تسر، والثانية مدينة تُحَب!! وهذا الانطباع ليس من عندي فلم أجرب حتى أدعي.. ولكنه تعبير عن خلاصة ما أراه في عيون من أعرفهم وقد ذهبوا للاثنتين! وتعبير عما يصلني من تعليقات بعض القراء.. فهنا نكتب في الغالب عن الناس لا عن أنفسنا!!

وإذا كانت "أبها" صيفاً تتوفر فيها العوامل الجاذبة للمصيفين والمصيفات.. فجدة حاولت أن تجعل للذوعة طعماً! وحاولت أن تصنع من اللاشيء.. ألف شيء!!
وفي المدينتين لا مفر من التصفيق للجهود المتواصلة التي جعلت من عسير أبها.. يسيراً وخلاباً.. ومن فقير جدة غنياً ووهاباً!

أبها "جوهرة" حقيقية اكتشفها صانع ماهر وأبرز قيمتها ولمعانها للجمهور.. وجدة قرش بحري.. اكتشفه بحار مغامر وحوّله من كائن مخيف إلى كائن مستأنس!! فحيث أبها انتصروا على الصعب وروضوه.. وحيث جدة استغلوا الممكن ووظفوه!! لكنني أصر لا زلت.. حتى تكون (جدة غير) مضموناً وفعلاً لا يكفي أن يكون مهرجانها الصيفي.. مهرجان تسوق وإعلانات ترفيه! لاحظ،وا كل ما يتسرب عبر إذاعة (أف أم) كما يسميها أصحابها يدل على أن ما في جدة صيفاً هو اللهو والسوق والجوائز النقدية!!! أي أنها مدينة تعمل على تبذير الوقت!!!

لم أسمع عن استغلال ثقافي أو نشاط فكري أو محاولة جادة للنهوض بوعي الناس، لم أسمع عن تسخير العمل الجماعي لصالح مشاريع فكرية أو ثقافية أو حتى رياضية منظمة.. حتى البحر لم يستغلوه الاستغلال الأمثل في اشباع تطلعات مسافر لا يبحث فقط عن السوق!

ما زال الشاطئ كما هو قديماً والتحسينات المظهرية لا تدل على كفاءة الاستغلال وجودته حتى المناشط الرياضية فيه تقوم على جهود فردية للمتعة الشخصية لا أكثر..
وجدة بوصفها مدينة استقبال وعبر بوابتها يمر القادمون إلى المدن المقدسة كان بإمكانها تسخير برامجها الصيفية في استضافة مفكرين ومثقفين ورواد حركة الفكر والنشر في العالم العربي دون أن تتقوقع في دائرة اللهو والمرح والترفيه المتيسر وكأنه أسمى هدف!!!

جدة تصحو ليلاً كي تلعب وتمرح ولا بأس، لكن لا أعتقد أن هذا "الجهد" هو كل شيء!!!

بينما يغيب نشاطها الثقافي والفكري ويقظة وعيها لافادة الجمهور المرفه عنه! وليس فقط الحفل الغنائي هو الدليل القاطع أن جدة غير.. لأنها في هذا بالذات ليست غير.. بل مثلها مثل الغير وليست فيه على رأس القائمة (!!).. انهضوا صحوتها جسماً وعقلاً.. روحاً ونشاطاً.. أما الآن فاسمحوا لي.. جدة ليست غير!! إلا في شيء واحد وهو متروك لخيال القارئ الكريم!!!