القول البتار في حكم أعياد الكفار ..للشيخ سعد الدبوي حفظه الله... اضغط هنا لقراءة الموضوع بالالوان
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى كل مسلم غيور وغيرته منضبطة بالضوابط الشرعية، لا غلط فيها ولا شطط، إلى كل مسلم يطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ويتبرأ من صراط المغضوب عليهم ومن صراط الضالين، إلى كل مسلم تولى الله تعالى وحده ووالى المؤمنين بولاية الله كما قال تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " وقال تعالى: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه " وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق " وقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إن براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنون بالله وحده " وقال تعالى: " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم " .
وقال تعالى: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون "
إلى أخواني المسلمين، وهذه نصيحة اقتضاها الحال فأقول بإذن الله الواحد القهار:
إن من قواعد الإسلام وأصوله العظيمة النهي عن التشبه بالكفار والأمر بمجانبة هديهم على العموم وفي أعيادهم على الخصوص وأصل هذه المسألة في كتاب الله وسنة رسوله وهدى السلف الصالح ولأجلها صنف شيخ الإسلام ابن تيميه كتابه: (( اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم )).
وليُعلم أن هذه القاعدة وهذا الأصل من أصول العقيدة الإسلامية والذي مع وضوح أدلته كاد أن ينمحي من أذهان أكثر المسلمين بعد قرون الثلاثة المفضلة. وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الأمة ستتبع سنن الأمم التي سبقتها من اليهود والنصارى وفارس والروم، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أيضا أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق وأن الله لن يجمع هذه الأمة على ضلاله، ولذا وجب على المسلم الذي يريد النجاة أن يكون مع هذه الطائفة قلبا وقالبا.
وان مشابهة أهل الكتاب والأعاجم ونحوهم لابد أن تورث عند المسلم نوع من المودة لهم أو على الأقل مظنة المودة فتكون محرمه من هذا الوجه سداً للذريعة، ويندرج هذا الأمر حتى يصل بصاحبه إلى التأثر بعقيدتهم كما هو مشاهد الآن بين المتفرنجين الذي يعشقون الحياة الغربية فأكثرهم يعمل أفكارا تهدم العقيدة الإسلامية الصحيحة.
أن موافقة هؤلاء في أعيادهم لا تجوز من طريقتين:
الأول:
أن في ذلك تشبها بهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم " وقال " خالفوا المشركين " فمن وافقهم وقع في مفسدة التشبه بهم وضيع مصلحة مخالفتهم.
الثاني:
أن نفس أعيادهم زور لا يشهده عباد الرحمن كما قال تعالى: " والذي لا يشهدون الزور " أي لا يحضرون أعياد المشركين كما قال غير واحد من التابعين وغيرهم، وإن كان الزور أعم من هذا لكن شهود أعيادهم داخل في هذه الآية.
ومما يدل أيضا على أن أعيادهم منهي عنها:
الدليل الأول:
ما رواه أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: " أن الله قد أبدلكم خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر " .
والدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرهما على العيدين الجاهلين فنبذهما وجعل بدلهما عيدين شرعيين.
الدليل الثاني:
وأيضا ما رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوانة فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنى نذرت أن أنحر إبلاً ببُوانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال: " هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ " قالوا: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: " أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ".
فإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهيا عنه فكيف بالموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم؟ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً وان كان أولئك الكفار قد اسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً بل يذبح فيه فقط، فقط ظهر أن ذلك سد للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم خشية أن يكون الذبح هناك سببا لإحياء أمر تلك البقعة وذريعة إلى اتخاذها عيداً.
فالمشاركون لهؤلاء في أعيادهم يشاركون في إبقاء شيء قطع النبي صلى الله عليه وسلم سبله وأراد أن لا يكون، وهم يريدون أن يكون فهم مضادون محادون مشاقون له عليه الصلاة والسلام.
وليعلم أن أعياد أهل الكتابين أضر على المسلمين من أعياد الوثنيين لأن التشبه بهم وأتباع سننهم أسرع وأكثر وكما اخبر به الصادق المصدوق ذلك جاءت الشريعة بمنعهم من إظهار أعيادهم أو إظهار شيء من دينهم.
الدليل الثالث:
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة لما دخل عليها أبو بكر وعندها جاريتان تغنيان بيوم بعاث أنكر ذلك أبو بكر بقوله: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام " أن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا " فهذا فيه اختصاص كل قوم بعيدهم فلماذا يتطفل المسلمون على مائدة أعياد الضالين؟ فأعيادنا معروفه لا أعياد لنا سواها وهي يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفه وأيام التشريق كما دلت على ذلك الأحاديث.
الدليل الرابع:
أن من كانت له خبره بالسيرة علم يقينا أن المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم ولا يغيرون لهم عاده في أعياد الكافرين بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يخصونه بشيء أصلاً، فلولا أن المسلمين كان دينهم الذي تلقوه عن نبيهم منع من ذلك وكف عنه لوُجد بعض المسلمين يشاركهم لان المقتضى لما يفعل في العيد من الآكل والشرب واللباس والزينة واللعب والراحة قائمٌ في النفوس خصوصاً النساء والصبيان وأكثر الفارغين، فلولا المانع الشرعي لوُجد هذا المقتضى. ثم كان عمل المسلمين على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، غاية ما كان هناك أن بعض الناس كان يذهب إليهم يوم العيد للتنزه بالنظر إلى عيدهم فنهى عمر عن ذلك وغيره من الصحابة.
الدليل الخامس:
أنه ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غداً والنصارى بعد غد " وفي رواية مسلم: " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدينا والأولون يوم القيامة المقضي لهم " وفي رواية " المقضي بينهم قبل الخلائق ".
والجمعة عيد كما تقدم وهي لنا، فإذن نحن مختصون بها والسبت والأحد لهم فلكل قوم عيد، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم السبت أو الأحد خالفنا هذا الحديث وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك العيد الحولي ولا فرق فهذه دلالة الكتاب والسنة على تحريم مشاركة المسلم أهل الكتاب في عيدهم.
وأما الإجماع والآثار:
فلم يكن على عهد السابقين من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك مع الداعي إلى هذه المشاركة من اللعب واللهو المحبب إلى النفوس ولكن الدين منع من ذلك فمن كان عنده دين فيمتنع من مثل هذه المشاركة و إلا كان مخالفاً سبيل المؤمنين.
أن في شروط عمر على أهل الذمة التي اتفق عليها المسلمون أن أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم ولا شيئاً من يدنهم فكيف يسوغ لمسلم إظهار ما اتفق المسلمون على منعه إما لأنه معصية أو شعار للمعصية.
*** أن البيهقي روى بإسناده الصحيح في (( الكبرى )) عن عمر قال: [ لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط تتنزل عليهم] -9/234- باب كراهية الدخول على أهل الذمة وعنده بإسناده إلى البخاري صاحب الصحيح إلى عمر قال: [اجتنبوا أعداء الله في عيدهم] . هذا فيمن دخل عليهم كنائسهم فكيف بمن شاركهم وفعل أفعالهم في يوم عيدهم؟!
ومنع من ذلك أحمد فنقل أبو يعلى قال: مسألة في المنع من حضور أعيادهم. ونقل الآمدى في كتاب " عمدة الحاضر وكفاية المسافر " فصل: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مُهَنا وأحتج بقوله تعالى: " والذين لا يشهدون الزور " .
فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضروه، وإنما يُمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم. وكذلك نقل الخلال عنه في " جامعه ".