أخذت تجوب بعينيها البريئتين يميناً وشمالاً .. تنقل نظرها بين أمها الباكية.. وبين الطبيب الذي أخبرها بمرض ابنتها الصغيرة بهدوء شديد.. وعلى الرغم من صغر سنها أحست بسوء الخبر.. لكنها لم تعي مدى سوئه .. ومدى قسوته على جسدها الصغير.. لمَ وصلت إلى هذا الحد ؟! الحد الذي جعل منها انسانة مريضة؟!هل لأنها كانت فتاة منطوية؟! ضعيفة؟! مائلة للحزن أكثر من الفرح بعكس الأطفال الذين حولها؟!أم لأنها كانت دائمة اللوم لنفسها ..تلوم نفسها على أشياء تحدث وأشياء لا تحدث ؟!أم لأنها كانت حساسة جداً .. وشفافة أكثر؟!أم بسبب خوفها الشديد من كل شئ حولها.. لم تجد لها في تلك اللحظات التعيسة من حياتها إلا ذلك الصدر الحنون ..والقلب العطوف.. ذلك الانسان الذي لم ولن تجد مثله مهما حاولت.. كانت تحبه حباً شديداً .. حباً يفوق الخيال .. حباً بريئاً صادقاً .. حباً ينبع من قلب فتاة صغيرة لا يعرف المراوغة أو الكذب..وعلى الرغم من أن الحديث بينهما كان محدوداً .. إلا أنها في تلك الكلمات القليلة المتبادلة.. كانت تشعر بحبه البالغ نحوها .. كانت تشعر بتميزها عن الآخرين .. و عندما كان يضعها بين ذراعيه .. ويداعبها .. ويهمس في أذنها .. كانت تشعر بأن لديها كل ما تريده في هذا العالم .. إلى أن جاءها ذلك اليوم .. اليوم الذي جاءت فيه أمها إليها وأخبرتها بالخبر المريع ..الخبر الذي هز لها كيانها وأرجعها لحزنها ووحدتها في لحظات .. لقد مات !! هكذا وبكل بساطة ..اختاره الإله الواحد ليكون بجواره .. انتقل إلى الحياة البرزخية بعيداً عنها.. أخذت تبكي وتبكي و تبكي .. لماذا رحلت ؟! لماذا تركتني؟! لماذا؟!..
انقضى عام من الحزن والقلق .. عام من الاضطراب واللوم المتواصل .. حتى قدوم ذلك اليوم .. يوم ذكرى ميلادها الحادي عشر .. "ابنتكِ مريضة".. وكانت الصدفة الغريبة .. إنه مرض حبها الراحل!!…