السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
بسم الله ارحمن الرحيم
إن محاسبة النفس هو طريق استقامتها وكمالها و فلاحها وسعادتها ، يقول تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ٍواتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون )
قال ابن كثير في تفسيره :
(ولتنظر نفس ما قدمت لغد) أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و انظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم
من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم .
وقال تعالى: ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره : قال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها ، وحملها على طاعة الله
عز و جل ،( وقد خاب من دساها) أهلكها و أضلها وحملها على المعصية.
و في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"الكـيـّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " رواه الإمام أحمدوالترمذي.
وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :
" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً ، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر ( يومئذٍ تعرضون لا تخفى منـكم خافية ) .
ونقل عن ابن القيم عن الحسن أنه قال :
" المؤمن قـوَّام على نفسه ، يحاسب نفسه لله ، و إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما
شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة "
وقال وهب فيما ذكره الإمام أحمد رحمه الله :
" مكتوب في حكمة آل داود : " حق على العاقل ؛ أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات و إجماما للقلوب "
وقال ميمون بن مهران : " لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بما لك "
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أحد عماله : " حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة ، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة "
و قال الشيخ عبد العزيز السلمان – رحمه الله - في كتابه موارد الظمآن :
فإذا علم أنه مناقش في الحساب عن مثاقيل الذر ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أحوج ما يكون إلى الحسنات ..
وغفران السيئات ..
تحقق أنه لا ينجيه من هذه الأخطار إلا اعتماده على الله ، ومعونته على محاسبة نفسه ومراقبتها!!
ومطالبتها في الأنفاس والحركات ..
ومحاسبتها في الخطرات واللحظات..
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب !!
خف في القيامة حسابه ..
وحضر عند السؤال جوابه..
وحسن منقـلبه ومآبه..
ومحاسبة النفس نوعان:
النوع الأول : قبل العمل. و النوع الثاني : بعده .
فأما النوع الأول : فهو أن يقـف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى تبين له رجحانه على تركه . قال الحسن رحمه الله : رحم الله عبدا وقف عند همه ، فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر .
النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل ، وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى ، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي .
وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور تقدمت ، وهي : الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه ، ومتابعة الرسول فيه ، وشهود مشهد الإحسان فيه ، وشهود منة الله عليه ، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .
فيحاسب نفسه : هل وفى هذه المقامات حقها ؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة ؟
الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرا له من فعله .
الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح ، أو معتاد : لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة ؟ فيكون رابحا ، أو أراد به الدنيا وعاجلها ؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به .
[gl]ولمحاسبة النفس ثمار ومنافع عظيمة منها : [/gl]
1- الاطلاع على عيوب النفس ومن لم يطلع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالتها.
2- المحاسبة توجب للإنسان أن يمقت نفسه في جانب حق الله عليه ، وهذه كانت حال السلف الصالح ،
قال محمد بن واسع محتقراً نفسه وهو من العبـَّاد :" لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجلس معي " .
3- من ثمار محاسبة النفس إعانتها على المراقبة ، وأنه إذا اجتهد بذلك في محياه استراح في مماته .
4- وهي تفتح للإنسان باب الذل والانكسار لله والخضوع له والافتقار إليه.
5- و من أعلى ثمارها الربح بدخول جنة الفردوس وسكناها والنظر إلى وجه الله الكريم ، و أن إهمالها يعرض للخسارة ودخول النار ، والحجب عن الله وصَلى العذاب الأليم.