يانفسى إياك وشبهة الظن فى عقائد الأكابر

يا نفسى
إياك وشبهة الظن فى عقائد الأكابر

• هلا علمت وعرفت وتحققت وتيقنت...
لقد أتعبتينى فى الجدال.. والجدال هنا هو النقاش المبنى على الحجج والأدلة والبراهين، ولاسيما من كتاب الله وسنة رسوله، وأهل التحقيق والاختصاص...، وهو مخالف للجدل الذى نهانا عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله: إذا غضب الله على قوم أورثهم الجدل.
وبالرغم من وجود بعض العلائق لك مع الطبيعة، إلا إننى أحذرك وأنهاك عن أن يتطرق إليك شبهة الظن أو الاتهام – والعياذ بالله – فى عقائد الأكابر فيما لم تفهميه، وذلك لعدم علو مقامك، وحجابك الكثيف عن مشاهدة مراتب ومقامات وأحوال القوم...

• هيا اقرئى عقيدة أحد الأكابر
تعالى نقرأ عقيدة أحد الأكابر المبرئة له من الاتهامات التى أتهم بها فى وقته وزمانه إلى زماننا هذا من الجهال والفساق والحاسدين الذين لا يفهمون من الدين سوى طقوس وقساوة قلب، وتحجير على غيرهم ورميهم بالكفر والخروج على الشريعة، وهم أبعد الخلق عن فهمها.
وقد حذرنا منهم رسول الله ( المتنطعون، والخوارج ) ، وابن تيمية رضى الله عنه – وهو شاهدهم كما يدعون – منهم براء، واقرئى كتبه وعلى الأخص مجموع الفتاوى، فهو يمدح القوم، ويمدح الامام الجنيد، واقرئى كتب بن القيم الذى خالط القوم وتأثر بهم بعد ما عرفهم.
اقرئى عقيدة الشيخ محى الدين بن عربى المبرئة له من سوء الاعتقاد وهى التى صدّر بها الشيخ كتابه ( الفتوحات المكية ) ليرجع إليها من تاه فى شئ من عقائد الكتاب – فإن الكتاب كله كالشرح لهذه العقيدة.

• هيا اقرئى ما كتبه عالم أزهرى فى علم العقائد
يقول الامام عبد الوهاب الشعرانى فى مقدمة كتابه ( اليواقيت والجواهر فى بيان عقائد الأكابر) هذا كتاب ألفته فى علم العقائد، وحاولت فيه المطابقة بين عقائد أهل الكشف وعقائد أهل الفكر حسب طاقتى – وذلك لأن المدار فى العقائد على هاتين الطائفتين - إذ الخلق كلهم قسمان:
إما أهل نظر واستدلال، وإما أهل كشف وعيان.
وقد ألف كل من الطائفتين كتبا لأهل دائرته، فربما ظن من لا غوص له فى الشريعة أن كلام إحدى الدائرتين مخالف للأخرى. فقصدت فى هذا الكتاب بيان وجه الجمع بينهما لتأييد كلام أهل كل دائرة بالأخرى – وهذا أمر لم أر أحداً سبقنى إليه – فرحم الله تعالى من عذرنى فى العجز عن الوفاء بما حاولته والتزمته، فإن منازع الكلام دقيقة جداً.
وقد قال الامام الشافعى رضى الله عنه لأبى اسحق المزنى:
عليك بالفقه وإياك وعلم الكلام، فلأن يقال أخطأت خير لك من أن يقال كفرت.
وأُوصى كل من عجز عن الوصول الى تعقل كلام أهل الكشف أن يقف مع ظاهر كلام المتكلمين ولا يتعداه. وذلك لأن عقائد أهل الكشف مبنية على أمور تُشهد، وعقائد غيرهم مبنية على أمور يُؤمنون بها، هذا ميزانهم فى كل ما لم يرد فيه نص قاطع. والنفس تجد القوة فى اعتقاد ما عليه الجمهور دون ما عليه أهل الكشف، لقلة سالكى طريقهم.
وقال شيخ الاسلام زكريا الأنصارى رحمه الله:
لا يخلو كلام الأئمة عن ثلاثة أحوال
1- إما أن يوافق صريح الكتاب والسنة، فهذا يجب اعتقاده.
2- وإما أن يخالف صريح الكتاب والسنة، فهذا يحرم إعتقاده.
3- وإما أن لا يظهر لنا موافقته ولا مخالفته، فأحسن أحواله الوقف( انتهى).

وقد أخبرنى العارف بالله الشيخ أبو طاهر المزنى الشذلى رضى الله عنه:
أن جميع ما فى كتب الشيخ محى الدين بن عربى مما يخالف ظاهر الشرع مدسوس عليه.
ولهذا تتبعت المسائل التى أشاعها الحسدة وأجبت عنها، لأن كتبهالمروية لنا بالسند الصحيح ليس فيها ذلك.

• اعلمى أن جملة العلوم ثلاثة
1- علم العقل:
هو كل علم ضرورى بديهى أو حاصل عقب نظر فى دليل شرطه الحصول على وجه ذلك الدليل.
وعلامة هذا العلم أنك كلما بسطت عبارته، حسن وفهم معناه وعذب عند السامع.
2- علم الأحوال:
فلا سبيل إليه إلا بالذوق ولا يقدر عاقل على وجدانه ومعرفته البتة( كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر)،
وهذا العلم متوسط بين علم الأسرار وعلم العقل، وأكثر من يؤمن به أهل التجارب،
وهو أقرب الى علم الأسرار من علم العقل النظرى،فلا يلتذ به إذا جاء من غير معصوم إلا أصحاب الأذواق السليمة.
وعلامة العلم المكتسب أن يدخل فى ميزان العقول ، وعلامة العلم الوهبى أن لا يقبله ميزان العقول من حيث إنكارها بل تمجه غالبا.
3- علم الأسرار:
هو العلم الذى فوق طور العقل، ولذلك يتسارع الى صاحبه الانكار لأنه حاصل عن طريق الإلهام الذى يختص به النبى والولى.
وعلامته أنه إذا أخذته العبارة سمج وبعد عن الافهام دركه، وربما رمت به العقول الضعيفة أو المتعصبة التى لم توف النظر والبحث حقه.
ومن هنا كان من يريد تفهيم العلم لغيره لا يقدر أن يوصل ذلك العلم الى الأفهام الضعيفة إلا بضرب الأمثلة والمخاطبات الشعرية – وأكثر علوم الكمل من هذا.
فقد بان لك أن علوم الأسرار لا تُنال بالفكر ، وإنما تُنال بالمشاهدة أو الالهام الصحيح وما شاكل هذه الطرق، ومن هنا يفهم قوله صلى الله عليه وسلم:
إن يكن فى أمتى محدّثون فهو عمر.
وهذا العلم هو العلم اللدنى.

• هل بقى من شبهات... معاذ الله ، هى تساؤلات ليطمئن قلبى:
1- لماذا يستخدم القوم الرموز والعبارات المغلقة على غيرهم؟
2- لو كان علم الصوفية مطلوبا، لماذا لم يوجد فى كتب الأئمة ولو كتابا واحدا؟
3- لماذا لم يكفهم الأخذ بظاهر الكتاب والسنة كما كفى غيرهم؟
4- لماذا لم يظهروا معارفهم لعامة الناس كما يفعل علماء الشريعة؟
5- اختلطت علىّ أمور فيما كان عليه الأكابر ، وما أراه بعينى ممن يدّعون أنهم من القوم ، وأقرأ هجوما شرسا من بعض الطوائف لهم بعض الحق فى أمور!!!
دلنى بربك... ما هو التصوف الحق؟

• سأجيب بإذن الله تعالى عن كل تساؤلاتك، ولكن اعطينى مهلة يسيرة حتى أقوم بإعداد الإجابات من بطون كتب الأكابر، لأنهم أهل المعرفة.. أهل الولاية.. أهل الله.

27 رمضان 1424 الفقير الى الله : أحمد سعد الدين - القاهرة